نصائح عملية إلى كل جندي أراد فضح فساد رؤسائه |
وثيقة مرجعية لدى منظمة ترونسبارونسي انترناسيونال، رسالة بقلم الجندي جمال الزعيم من داخل سجن فاس
بعد حوالي سبع سنوات من الاعتقال ،خرج إبراهيم جالطي من الجحيم الذي وضع فيه ظلما ،هو الذي كان يهدف رفقتي إلى فضح فساد بعض ضباط الجيش ،أنهى عقوبته وعانق الحرية بعد أن عانق أمه أمام بوابة السجن السوداء ، في حين بقيت لي حوالي سنة على معانقة أمي الحبيبة .غادر إبراهيم السجن وفي صدره كما في صدري حرقة وغصة وإحباط كبير ، بعد أن خاب أملنا في كل ما بنينا أملنا عليهم ، من نخبة هذا المجتمع في دعم قضيتنا العادلة نخبة ظننا فيها خيرا حتى قبل أن نبدأ جمع الدلائل لفضح المفسدين ، كنا نعتقد إننا سنلقى منها دعما قويا يجعل المخزن يرضخ لمنطق العدالة بإنصافنا ومحاكمة المجرمين في حق هذا الوطن ، كنا نظن أن لنا أحزابا سياسية قادرة على تحريك قواعدها لإنصاف المظلوم فوجدنا جلها بلا مصداقية ولا مبادئ وطنية .كنا نظن أن لنا منظمات حقوقية قادرة بمناضليها على فضح الظلم وإعلاء كلمة الحق إمام وجه الظالم فوجدنا جلها مجرد أجنحة مدنية لأحزاب سياسية ، حصرت حقوق الإنسان كمفهوم كوني شامل في إطار إيديولوجي ضيق ،كنا نعتقد أن لنا أدباء ومبدعين ...فوجدنا جلهم بلا جرأة يحترفون العهارة الفكرية والنفاق الأدبي لإرضاء السلطان وسحق أمال المقهورين .كنا نرى في الصحفيين أصحاب مبادئ قادرين بأقلامهم على فضح الفساد والتشهير بالمفسدين فوجدنا اغلبهم يجف حبرهم أمام مثل هذه القضايا وعندما يريدون فضح الفساد ينسخون على صفحاتهم محاضر الضابطة القضائية بحالات الفساد الأخلاقي للعاهرات .
فأين كل هؤلاء من هذه القضية العادلة ؟أين هو ضميرهم ؟ لماذا تركونا لوحدنا نغرق وجرفنا التيار ونحن نسبح ضده؟.
أن الضمير الأخلاقي يفرض عليهم تجنب الحياء في مثل هذه القضايا ،وان هناك أمرين لا ثالث لهما ، فإما نحن فعلا اقترفنا جرما ونستحق العقاب وبالتالي عليهم البث في قضيتنا علانية أو عليهم الوقوف في وجه هذا الظلم الذي طالنا .
أن هذا الجفاء سيكون له تأثير كبير مستقبلا على تعاطي الجنود مع مسالة فضح فساد ضباطهم داخل الثكنات العسكرية ....هاهي وقد مرت أزيد من سبع سنوات على قضيتنا دون أن تنفجر أية قضية مماثلة داخل الجيش .فهل تظنون أن مرد هذا يرجع إلى كون الفساد داخل ثكنات الجيش قد اختفى لا وألف لا ، فجل الثكنات تعرف تسيبا فضيعا من طرف رؤسائها وقد التقيت طوال سنوات الاعتقال ،بعدد كبير من الجنود رمى بهم القدر إلى السجن وحكوا لي بمرارة ،عن الأوضاع المزرية التي تعيشها ثكناتنا العسكرية ، ومعها الجنود وان عدم تجرؤ احد على فضح الفساد هو الخوف من مصير مماثل .
لهذا أرى من واجبي بحكم تجربتي المتواضعة التي اكتسبتها خلال هذه المحنة أن أتوجه إلى كل عسكري استيقظ ضميره و أراد فضح فساد رؤسائه داخل بعض الثكنات العسكرية ببعض النصائح العملية وهي كالتالي:
1/ تأكد بأنك عندما تاخد ورقة وقلما لتدون خروقات رئيس الثكنة فأنت عندها تدون محضر إدانتك ، فاحرص على أن تكون الجرائم التي تتهم بها الضابط صغيرة لأنها هي التي ستحاكم أنت بها ।
2/ عندما تريد إيصال هذه التقارير التي تثبت بها تورط هؤلاء المفسدين ،إلى الجهات العليا ليفتح فيها تحقيق ليعتقلوا ،فسيتم اعتقالك أنت من طرف رجال الدرك الملكي .وسيطلبون منك سرد جميع الخروقات التي كنت شاهدا عليها بدعوى أنهم سيفتحون تحقيقا لهذا لا تكون ساذجا وتبدأ في سرد التهم بحماس كما حدث معنا ، لأنهم لن يفعلوا شيئا وإنما على ضوئها سيقيمون درجة خطورتك وعدد سنوات السجن الكافية للحد من حماسك واندفاعك.
3/ قبل أن يتم عرضك على المحكمة العسكرية بالرباط سيرسلون إليك محاميا يبشرك بالفرج ويطلب منك الثريت وعدم عرض قضيتك على الصحافة فلا تثق به وارفض كل محامي يعرض عليك بل ولا داعي لتنصيب محامي يستنزف ميزانية اهلك لان محاكمتك تحتاج إلى عدالة وليس إلى محام.
4/ أثناء محاكمتك لا تتعب نفسك في عرض قضيتك أمام القاضي لان إدانتك قد حسم فيها من قبل وما جلسة المحاكمة إلا مسرحية مخرجها القاضي ستجسد فيها دور البطل والضحية وفي الأخير ستجد نفسك مجبرا على تأدية تذكرتها سنوات سجنا من زهرة شبابك.
5/ بعدما سيرمى بك وسط زنزانة مكتضة باعتى المجرمين سيتقدم نحوك أبطشهم ،وسيخاطبك بلغة سجنية لن تفهمها ،سيسألك ما تهمتك ، ...ستحير في الإجابة لان تهمتك غير متداولة بين السجناء كما أن جل التهم مختصرة في كلمة واحدة وبما أن تهمتك الحقيقية هي محاربة الفساد فلخصها في تهمة الفساد.وسيضن أنهم وجدوك بين أحضان عاهرة....
6/ عند أول زيارة تتلقاها من أبيك أو أمك سيشرعان في البكاء أمامك لا تحاول منعهم من ذالك بل اتركهم لأنهم في الواقع لا يبكون على مصيرك بل على مصير عدالة بلادك ن ولا تنسى أن تحدد لهم مواعد شهرية لزيارتك لان السنوات تطول والمصاريف ترهقهم وهما الوحيدان من سيداومان على زيارتك باستمرار.
7/ إذا أردت أن تعرض قضيتك على الرأي العام فاعلم بان الرأي العام كجماعة ضغط غير موجود في المغرب .أما بالنسبة إلى الجرائد التي تود أن ترسل إليها قضيتك فاحرص أن تكون مستقلة .أما الجرائد الحزبية فلا تهدر وقتك معها .
8/ بعض الجرائد المستقلة ستنشر قضيتك في صفحاتها الأولى وعددا وراء عدد سترى الخبر المخصص لقضيتك يتناقص حجمه ويتراجع تدريجيا إلى أن ينشر في الصفحة ما قبل الأخيرة وبعد 20 يوما ستمتنع أن تنشر لك .بدعوى أن قضيتك تقادمت عندها ستقف على حقيقة صادمة إذ في الوقت الذي تحتاج فيه قضيتك إلى 20 سنة من اجل التقادم الجنائي ، فان بعض الجرائد ستحكم عليها بالتقادم الإعلامي في ظرف 20 يوم.
9/ وأنت تعد أيام السجن الرتيبة والطويلة فحتما ستبحث عن من يدعم قضيتك العادلة وستتذكر أن هناك أكثر من ثلاثين حزبا بإمكانهم دعمك لكني أنصحك بان تلغي من حساباتك هذا الرهان .وإلا سيحدث لك ما حدث لي عندما طلبت من البرلماني إدريس لشكر رئيس الفريق البرلماني للاتحاد الاشتراكي بمجلس النواب آنذاك ،دعم حزبه لقضيتنا .عندما التقيت به في السجن المركزي لقنيطرة بتاريخ 24يونيو2004. حيث دخل السجن رفقة أعضاء من لجنة التشريع والعدل .فما كان منه إلا أن نفث في وجهي دخان سيجارته الأمريكية وأدار ظهره وانصرف ....
10/ بعد أن تخذلك الأحزاب ستدير وجهك صوب الجمعيات الحقوقية الوطنية ستجد أن عددها يفوق العشرة في حين قضيتك ستتبناها جمعية وحيدة لكن لا تكن أنانيا وتطلب منها القيام بتحركات ميدانية لإطلاق سراحك فكل ما ستقوم به هذه الجمعية هو أنها ستتذكرك مرة واحدة كل سنة بمناسبة إصدارها لتقريرها السنوي حيث ستدرج اسمك ضمن خانات المعتقلين السياسيين .
11/ طوال سنوات اعتقالك سترى أن هناك عددا كبيرا من السجناء يتم الإفراج عنهم بعفو ملكي في مناسبات وطنية ودينية وملكية ،حيث كل السجناء يستفيدون من تخفيض العقوبات أو الإفراج عنهم إلا أنت ن عندها ستحس بغبن شديد وستطرح على نفسك أسئلة كثيرة من قبيل هل أنا مجرم خطير ، اخطر من هؤلاء المفرج عنهم ؟أم أن هؤلاء وطنيين أكثر مني ؟ لا تبحث عن أجوبة لأسئلتك واتجه للدراسة ، لتنمية رصيدك الفكري ولا تسقط في الفخ الذي ستضعه لك إدارة السجون عندما تغريك بالحصول على شواهد مدرسية مزورة ، ستعزز بها هي رصيدها في التقرير السنوي.
12/ كن دائما على استعداد نفسي لسماع أخبار محزنة وصادمة حول أسرتك الصغيرة ، حتى لا تصدمك على غفلة –كما حدث معي عندما سمعت خبر وفاة أخي فيصل ....- وإذا وصلك خبر محزن فتسلح بالصبر فهو مفتاح الفرج.
13/ إذا قدر لك أن تكمل عقوبتك سليما معافى في بدنك وعقلك ستغادر باب السجن لتجد نفسك في سجن كبير وحيدا مشردا ، عاطلا عن العمل بلا كرامة ولا مسكن ، محاصرا من طرف الأجهزة البوليسية ، السرية والعلنية ، لهذا فكر في مغادرة هذا الوطن في اتجاه دولة غربية كلاجئ سياسي لكن قبل أن تغادر وطنك للجوء إلى أوطان الآخرين ، الجأ إلى اقرب مغارة وانحت على صخرها ملخصا لقضيتك ، وكن متأكدا أن هذه الصخرة ستبقى وفية لقضيتك ، إلى أن يأتي زمن بعد مئات السنين ينصفك فيه علماء الانتروبولوجيا .نعم سينصفك التاريخ على يد هؤلاء بعد أن عجزت نخبة بلادك عن ذلك .
بعد حصولك على اللجوء السياسي في إحدى الدول الغربية ، ستحصل على قدر من الكرامة لكنك في المقابل ستفقد وطنك ،عندها ستطرح على نفسك سؤالا فلسفيا عميقا ، لن تجد له جواب مقنع وهو أيهما أولى الوطن أم الكرامة ؟http://www.almoharib.com/