أفاق القوات المسلحة للبوليساريو |
أفاق القوات المسلحة للبوليساريو |
يعتبر من الصعوبة بمكان جمع معطيات دقيقة عن القوات المسلحة للبوليساريو ، نظرا لطبيعة هذه القوات التي تتحرك بتكتم شديد ،كما تعرف بالغموض باعتبارها تتبنى أسلوب حرب العصابات و حرب الاستنزاف ، ويصعب من جهة أخرى جمع معطيات ،نظرا للحصار الذي يضربه المغرب على المعلومات الداخلة والخارجة من المخيمات ، وبصفة عامة تتوفر البوليساريو على حوالي 20 ألف مقاتل تقريبا طبعا العدد غير دقيق ، موزعة على سبعة مناطق عسكرية في الغالب، ثلاثة في الشمال وثلاثة في الجنوب ،وواحدة في تندوف ، التي تتواجد في تندوف تسمى المنطقة العسكرية السادسة وتظم القيادة العامة الشكلية ومركز اللوجيستك أو ما يسمى لدى الجنود بالطانداست، بالإضافة لتوفرها على إحدى أهم الثكنات العسكرية لدى الجبهة وتسمى الملحقة السادسة، تنقسم هذه المنطقة إلى عدة كتائب عسكرية، كما تتواجد بالقرب من المنطقة العسكرية السادسة ، المنطقة العسكرية الأولى، وهي من أهم المناطق العسكرية لدى الجبهة من حيث مخازن السلاح والمعدات، حيث تتواجد بها ثكنة الحنفي ، التي تعتبر اكبر مخزن للسلاح عند البوليساريو طبعا يجب الأخذ بعين الاعتبار مسالة التمويه الايجابي والسلبي والقواعد الخلفية وامتداد العمق العسكري نحو الجزائر، لكن تحتفظ ثكنة الحنفي بأهميتها من حيث المخزون والتي تم تجديدها بالكامل بعد الحريق الذي تعرضت له في التسعينات، وتبقى المنطقة العسكرية الثانية أهم منطقة عسكرية من حيث عدد المقاتلين، وبدورها تنقسم لعدة كتائب . وهي تشمل منطقة تفاريتي وتقوم بدور الإسناد للمنطقة العسكرية الخامسة قرب بير الحلو مقر تواجد الإذاعة ، وللمنطقة الرابعة قرب لمريس، وفي الجنوب نجد المقاتلين يتواجدون بالمنطقة العسكرية السابعة ،والذين يقومون كذلك بدور الإسناد للمنطقة الثالثة والأولى -عن التقرير الاوروبي للاستخبارات والامن -.
إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ماذا يجري بالضبط داخل أسلاك الذراع العسكري للبوليساريو ؟ وهل لازال يشكل تهديدا جديا للأمن القومي المغربي؟.
منذ إعلان وقف إطلاق النار وحتى ما قبلها بحوالي سنة تقريبا، تغيرت العديد من المعطيات الإستراتيجية دوليا ومحليا ، بحيث ذهبت في اتجاه فرض نوع جديد من الحرب على البوليساريو لم تخلق لها وتتناقض بالكامل مع عقيدتها العسكرية ألا وهي الحرب النظامية ، وأصبحت القوات العسكرية للبيزات تعيش نوعا من الغربة في بيئة لطالما اعتقدت أنها تنسجم معها بالكامل و تعتبر حاضنة لها ، بحيث أن بناء الجدارات الأمنية وترك مناطق عازلة ونشر الألغام وتوزيع الرادارات المتقدمة نسبيا –وفق معايير العالم الثالث- على طول الجدار وتفعيل دور اللواء الثالث المغربي وجعله لواءا متحركا للتدخل والإسناد و ترك سلاح الجو على أهبة الاستعداد لمطاردة أي هجوم مباغت، جعل خيار اللجوء إلى حرب العصابات خيارا محدودا ، بل مغامرة قد تؤدي إلى نتائج كارثية ،وتدخل في نطاق التهور العسكري، هذا ما ظهر جليا في المعارك الأخيرة قبل وقف إطلاق النار خصوصا معركة كلتة زمور الشهيرة بقيادة القائد العسكري الحبيب أيوب في أواخر سنة 1989 ،حيث اضطر المخطط العسكري للبيزات إلى حشد العشرات من الأسلحة المدرعة الثقيلة من اجل إحداث ثقب بسيط في الجدار لكنها أجبرت على التراجع تحت ضغط القصف الجوي المغربي، هنا ظهر بداية تخبطها أمام التغيرات الإستراتيجية على الأرض وأمام تغيير المغرب لخططه وتوزيع قواته على الأرض بشكل أربك كل الحسابات مما فرض على القيادة العسكرية والسياسية للبوليساريو الذهاب في اتجاه حلم ويوتوبيا الحل السياسي السهل من داخل الفنادق الفخمة بدل الصراع على الأرض والدفع في اتجاه مواجهة الجدار من الجانب الحقوقي بدل مواجهته عسكريا مما شكل ورطة اكبر لها وأفقدها المصداقية أمام الصحراويين لأن المغرب لن يقدم الصحراء لا بالسلاح ولا بالمفاوضات ويمكن أن نضحي بنصف سكان المغرب من أجل حبة رمل واحدة ومن أجل المجال الحيوي .
لكن ما هو التوجه العام للقوات المسلحة للبوليساريو في ظل التهديدات المتزايدة لقادتها باللجوء إلى الحرب ؟ وهل يبقى خيار حرب العصابات خيارا قائما أم أن البوليساريو ستلجأ إلى حرب نظامية مفروضة من أجل توريط الجزائر؟ أم أننا سنفاجأ بأساليب قتالية غير مسبوقة قد تشكل صدمة لقواتنا العسكرية أو الأمنية في ظل ظهور أساليب قتالية جديدة لدى حزب الله والحوثيين ولدى العراقيين؟.فمن حقنا أن نفترض ومن حقنا أن نستعد .
هنا يمكن الإشارة أن هناك تكتم شديد من طرف الجهات العسكرية للبوليساريو والجزائر على برامج التسليح والتدريب، التي يمكن أن تمكننا من استنباط التوجه العام ونوعية الخطط التي تروم استعمالها في القتال لكن يظهر لي من خلال مجموعة من القرائن وبشكل جلي أن المخطط العسكري لدى البوليساريو تابع ببالغ الاهتمام المعارك التي خاضها حزب الله والحوثيين وحماس كما أن المغرب كان مهتما بذلك أيضا، وهذا هو سبب معارضتي الشديدة للتعامل القاسي للمغرب مع إيران وحزب الله ومعارضتي كذلك لما راج في عدة تقارير أن المغرب يشارك أو له النية للمشاركة في المعارك ضد الحوثيين ومن هذا المنبر ندعو إلى تلطيف الأجواء مع إيرن وحزب الله،لأننا نراقب بقلق بالغ التحركات الإيرانية في المنطقة والرامية إلى تطويق المغرب سواء عبر إتفاقية التعاون العسكري مع الجزائر ،أو الإتفاق الذي وقعه السيد محمد فهيدي عن الجمهورية الإسلامية في ماي الماضي لتنشيط التعاون العسكري مع موريطانيا ،لهذا ننادي بأنه لا مصلحة لنا في تهييج الإيرانيين ضدنا لأن خبراتهم في دعم الحركات جبارة جدا وسقوط هذه الخبرات في أيدي البوليساريو يعني كارثة لن تنفعنا فيها أموال مجلس التعاون الخليجي،الذي يعتبر الإنظمام إليه دخولا في متاهات إستراتيجية ستضر لا محالة بأمننا القومي على المدى المتوسط والبعيد. وعليه أعتقد جازما أن البوليساريو تتجه نحو العودة للصراع وفق إستراتيجية متكاملة تنقسم إلى عدة تكتيكات :
أولا : يجب على المغرب الإستعداد لما يسمى حرب المدن باعتبار أن البوليساريو إستغلت فترة وقف إطلاق النار والإنفتاح الديمقراطي المغربي لتعبئة بوليساريو الداخل وظهرت النتائج كارثية في عدة محطات منها مثلا أحداث اكديم ادز وعلى حسب علمي فان المغرب ضبط العديد من محاولات تهريب السلاح في الجنوب وما يزيد من قلقنا هو الحالة المقلقة التي وصل إليها الفساد في عدة قطاعات الداخلة في نطاق الأمن القومي المغربي والتي تصل في بعض الأحيان إلى حالة من التعفن غير مشرفة سواء في الجيش أو في بعض الأجهزة الأمنية وما يراكم المزيد من القلق هو انه من المستحيل قيام حرب بدون أن يتحرك بوليساريو الداخل وفق برامج منتظمة .
ثانيا : يجب على المغرب الإستعداد لحرب الصواريخ القصيرة المدى، باعتبارها وسيلة غير مكلفة لضرب التجمعات العسكرية للجيش المغربي، وتجاوز عقدة الجدارات الأمنية المغربية ، فرغم أن المغرب بدأ منذ سنوات في الاستعداد لهذا الاحتمال عبر شراء قطع التانكوسكا المتخصصة في حماية القوات المرابطة أو المتحركة من الصواريخ لكن يبقى الهاجس قائما باعتبار أن من يسلح البوليساريو هي الجزائر التي نعلم جيدا الحجم المقلق لترسانتها من الصواريخ الروسية ومدى خطورتها في ظل زحف البوليساريو على المزيد من المناطق العازلة باتجاه تفاريتي وطبعا قوتها هناك ليست في نزهة، بل نظن أن الاستعدادات هناك جارية على قدم وساق لهذا الاحتمال .
ثالثا : كما أنه من المحتمل أن تلجأ البوليساريو إلى حرب الأنفاق بدل مواجهة الجدار من فوق باعتبار ظهور تقنيات وخبرات للحفر تحت الأرض وبالتالي وضع أنفاق مجهزة ومغلقة في انتظار الاستعمال عند الحاجة هذا التكتيك خطير ووجب البدأ بالبحث بجدية عن أنفاق محتملة وتدميرها .
هذه بعض هواجسنا التي يمكن أن نقولها والتي تقض مضجعنا ، لكن السيناريو الذي يعتبر مقلقا للأمن القومي المغربي، هو هل فعلا تطمح البوليساريو لخلق سلاح الجو وبالتالي يصبح الجدار بلا فائدة؟، في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن بعض التقارير تتحدث عن أن البوليساريو فعلا بدأت في إرسال بعثات من الطلاب من أجل التكوين في مجال الطيران إن هذا المعطى يجب أخذه بعين الإعتبار من طرف الهيئات العليا للتخطيط العسكري ومن طرف مجلس الأمن القومي المغربي، على الرغم أن كل المؤشرات تؤكد أن البوليساريو لا تتوفر على قوات جوية لكن على ما أظن شخصيا أن النية موجودة لأن في الحرب من المؤكد أن الأخر يطور قدراته كلما طورنا نحن قدراتنا، كما أن الجزائر قد تدفع في هذا الخيار لكي لا تتورط في حرب نظامية مباشرة مع المغرب وفي نفس الوقت تبقى قوية في المنطقة.
إن الحديث عن القوات العسكرية والشبه العسكرية للبوليساريو لا يمكن أن يمر بدون الحديث عن شعبة الاستخبارات لدى جبهة البوليساريو، التي أرى شخصيا أنها تعتمد في عملها على إستراتيجية الأجنحة أو الإطراف، بحيث تركز عملها على عنصريين أساسيين وهما من جهة جمع المعطيات عن المغرب بالطرق الاجتماعية والشعبية والعائلية عن طريق العلاقات بين سكان الجنوب وسكان المخيمات وتعتبر معلومات دقيقة، هذه الإستراتيجية يصعب مواجهتها من طرف أجهزة مكافحة التجسس المغربية ، باعتبار اتساع الولاء للجبهة لدى العديد من الشباب الصحراوي المتذمر من سياسات الدولة المغربية ، ويصعب مواجهة هذه الإستراتيجية كذلك لأن الذي يصدر المعلومة لا يقصد بها التخابر مع العدو أو التجسس لجهات خارجية ، ومن جهة ثانية تستند البوليساريو على إستراتيجية الإعتماد على الإستخبارات الجزائرية التي تركز أهم نشاطاتها على المغرب وتعتبر من أكثر أجهزة الاستخبارات دراية بالمغرب هذا طبعا حسب رأينا المتواضع.
وحاصل القول هو الخلاصات الحيوية التالية :
+ إن التهديد الحقيقي والجدي للأمن القومي المغربي ،لا يأتي من البوليساريو، بل ما يهددنا فعلا و بشكل خطير ويشكل تهديدا وجوديا للدولة المغربية ،هو النسبة المقلقة التي و صل إليها الفساد في بعض أجهزتنا الأمنية و الدفاعية والسكوت الخطير لبعض أجهزة الاستخبارات والقضاء والحكومة على هذه التجاوزات الخطيرة خصوصا في ملفات حساسة للغاية من قبيل ملف حقوق التأمين لأرامل شهداء القوات المسلحة الملكية والذي طال أزيد من عشريين سنة ويعتبر سابقة في التاريخ العسكري للبشرية وملف مباريات الانخراط في الشرطة والجيش...أي أن هناك أعداء يفتتوننا من الداخل ويقدمون خدمات جليلة للبوليساريو عبر إفساد الأجهزة أو السكوت على الفساد .
+ إن تأسيس المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي يعتبر بادرة جيدة لكن فعاليته ستظل محدودة في ظل غياب هيئة للتوجيه المعنوي ووزارة للدفاع يمكن محاسبتها، كما يجب الإحتفاظ بأركان الحرب العامة كهيئة عليا فوق كافة الأجهزة العسكرية بإعتبارها الأمينة على الوحدة الوطنية والترابية.
+ مهما تعاظمت القوة العسكرية للبوليساريو أو الجزائر، ومهما كان حجم الخسائر لدى المغرب بشريا وماديا ،فإننا لن نتنازل عن الصحراء ،لأنها مسالة وجود وليست مسالة مصالح كما لدى الطرف الاخر، بعبارة أوضح قضية الصحراء في المغرب لا تخضع لا للتكتيكات ولا للإستراتيجيا لأنها مسالة وجود .
+إن مسالة محاربة الفساد في الأجهزة المرتبطة بأمننا القومي ، يجب أن تحضى بالأولوية في المرحلة المقبلة لأنه يقع تدميرنا من الداخل من حيث لا ندري وإذا إستمر هذا الفساد و الطغيان وهذا الإستكبارو الظلم من طرف الفاسدين والمفسدين ،فإننا سنظطر بعد أشهر لمواجهة السيناريو الأسوء ، سيناريو لن تحتاج فيه البوليساريو للحرب من أجل مواجهتنا .
والحمد لله رب العالمين.www.almoharib.comمقال منشور في أسبوعية ما وراء الحدث العدد 34 بتاريخ 29 يوليوز 2011
. مدونة الأمن القومي المغربي