كبائر الأخطاء في ملف الصحراء |
السؤال المطروح على منذ سنين هو لماذا عجز المغرب كل هذه المدة ولأكثر من 34 سنة عن تحرير الصحراء، رغم كل الثروات و الدماء التي سكبت هناك، هل هذا العجز كان سببه إرتكاب أغلاط أدت إلى إضعافنا أمام الأخر؟ أم أن الأخر قوي ومتماسك ونجح بالتالي في المقاومة كل هذه المدة ؟أم أن استمرار الصراع مفتوح يخدم مصالح معينة هنا وهناك وبالتالي سنظل على ذات الحال ؟.
فما هي يا ترى الأخطاء المركزية الكبرى التي شابت تسيير الملف و جعلتنا بالتالي نراوح مكاننا و من المتوقع أن نبقى في نفس الأرجوحة لسنوات قادمة إذا بقينا نفكر بنفس العقليات؟ بل ونخاف من مؤشرات تدعو للقلق ..... .
إن الخطأ المركزي الأول الذي شاب ملف الصحراء ،هو خلق فئة انتهازية مستفيدة من ملف الصحراء أعطتهم الدولة كل السلط والثروات من اجل الاستقواء اعتقادا منها أنهم سينتصرون للملف، في حين تحولت هذه القوى إلى معوق رئيسي أمام أي حل ممكن، إذ أن حل مشكل الصحراء يعني بالضرورة انتهاء دورها ومركزها خصوصا وان الأمر لا يكلفها الكثير ،حيث أننا في المغرب لم يعد يكلفنا الكثير لكي نعبر عن وطنيتنا، فيكفي فقط القول أن الصحراء مغربية أو أن المغرب في صحرائه أو الصحراء في مغربها أو سب البوليساريو أو الجزائر أو غيرها من العبارات المتداولة منذ السبعينات لكي نثبت وطنيتنا، في حين نحن في هذا الوطن وصلنا إلى مرحلة لم نعد نريد من يكرر الشعارات ويطبل ويزمر لأي حل مطروح في الساحة، بل نحن نحتاج إلى قوى منتجة ومبدعة تفكر في حلول وتعطي اقتراحات، ونحتاج لدولة تفتح المجال وتطلق سراح حرية التعبير فالملف إستراتيجي والحل لا يمكن أن يكون إلاإستراتيجيا .
وإرتباطا بالنقطة الأولى هناك خطأ مركزي ثاني، هو صب الدولة المغربية لامتيازات لا حصر لها على سكان الصحراء، مما جعل الدولة في نظرهم مجرد دولة وافدة وجهة تقدم العطايا والهبات،حان الوقت لنقول أن هذا النهج لا يخدم الوحدة الترابية لأنه من جهة جعل سكان الصحراء يشككون في مصداقية الدولة ونواياها ،وثانيا خلق نظاما صارما للميز العنصري بين سكان الوطن الواحد وخلق معايير مزدوجة في التعامل ،من حيث التنمية والتشغيل بين الصحراويين وسكان الداخل من جهة ،وبين سكان الصحراء وسكان الريف من جهة أخرى، طبعا تحت مبررات من قبيل اعتبارات الوحدة الترابية، أو أوامر من جهات عليا ،هذا خلق حاجزا نفسيا بين سكان المدن الداخلية وسكان الصحراء، حاجز أصبح يثير القلق وظهر هذا في عدة محطات....هذا الوضع الاستثنائي دفع سكان الصحراء للتساؤل؛ إذا ما تمت حلحلة ملف الصحراء هل سنبقى أبناء المغرب المدللين أم سيعاملنا بنفس الصرامة التي يعامل بها أبناء الداخل؟ والجواب طبعا واضح، مما جعل مواقف العديد من الصحراويين غير واضحة وغير مستقرة ومترددة وهذا ما أشار إليه الملك المغربي في إحدى خطاباته الأخيرة حول الوطنية والخيانة ووجوب الوضوح في المواقف، طبعا نفهم جيدا قلق الصحراويين من المستقبل، والحل الوحيد أمام الدولة المغربية من أجل إعطاء ضمانات للصحراويين وطمأنتهم على المستقبل هو إظهار النموذج في العمق والداخل، وليس تدمير العمق من أجل بناء الصحراء ،لأن الأخر لا يمكن أن يثق بدولة مثلا تقمع أرامل وأبناء الشهداء وترمي بهم في غياهب الذل والهوان وتستولي علي حقوقهم، وفي نفس الوقت تقدم الحلوى للصحراويين، كيف سينظر الصحراوي إلى هذا السلوك الشاذ؟فطبعا سيقول إن مصير أبنائي لن يكون أحسن حالا من مصير أبناء من قتل وهو يحارب من اجل المغرب. آن الأوان لتوحيد المعايير فالمغرب يسع الجميع ،والوقت ليس في صالحنا، فمن المحتمل أن تتسارع الأحداث بشكل دراماتيكي في السنتين المقبلتين وهذا يظهر لنا من خلال العديد من المؤشرات الملموسة والتي تدعو للقلق بجدية بالغة ونحتاج بشكل حيوي لبناء الثقة مع الصحراويين وفيما بيننا ككتلة بشرية واحدة موحدة لا فرق فيها بين الريف ولا الصحراء ولا العمق والكل يتكاثف للسيطرة على الوضع بعيدا عن أي غرور امني أو استكبار مخزني عتيق كبشي قزم الرؤية استكبار يتجه نحو تقسيم المغرب الى كانتونات من حيث لا يدري.
الخطأ المركزي الثالث ؛هو تدمير الدولة للمجتمع من أجل الإنفراد بالملف ،وكما نعلم أن الدولة منذ الإستقلال كانت ضعيفة لأنها مشكلة من بعض العائلات الفاسية و الرباطية وبعض قيادات الأحزاب الدائميين، أي أن الدولة لم تسمح لنفسها بالإستفادة من الطاقة الجبارة للمجتمع وهذا أضعفها أمام الأخر سواء في ملف الوحدة الترابية أو غيرها حيث أنها مباشرة بعد الإستقلال فرقت هياكلها وأجهزتها في عمق المجتمع المغربي، وانغرست في كافة مكوناته اجتماعيتا كانت أو إقتصادية، وأصبحت لها إمتدادات أفقية وعمودية في البنية التحتية للمجتمع عبر إداراتها وفي البنية الفوقية عبر رموزها ومعالمها الثقافية ،عبر آلية ومنهج وحيد هو تقسيم المغرب إلى وحدات، بدأت مند ظهير 1959 ووصلت الآن إلى حد الجهوية الموسعة وطرح الحكم الذاتي. .
هذه الدولة بدل أن تستغل قوتها من أجل تقوية المجتمع، ركزت في عدة مراحل على تدميره من أجل ضبطه أمنيا ،مما خلق الآن مجتمع نمطي تبعي غير منتج في غالبه مقموع اقتصاديا وامنيا وحقوقيا ، مسلوب فكريا في المنزل والمدرسة والجامعة ،بحيث أننا لاحظنا في ملف الوحدة الترابية أن هناك في بعض الجامعات من أصبح يمارس دور الشرطة التعليمية حتى في البحث العلمي، أو تحديد من له حق استكمال التعليم ومن وجب تكسير شوكته وإدخال اعتبارات طبقية وعائلية في هذ الإطار، جرائم ترسخت خصوصا على يد بعض أفراد البورجوازية الفاشية.مما أضعف المغرب بشكل كبير أمام الأخر، بحيث أن الدولة القوية يفترض فيها وبالضرورة أن تكون مدعومة بقاعدة خلفية قوية وتتفاعل باستمرار في مسلسل للإبداع والإنتاج الفكري وفتح المجال لكافة الخيارات بدون قمع أو اللجوء إلى خيارات استخباراتية قدرة من قبيل الحرمان من الحقوق أو الحصار الاقتصادي أو المعرفي .... ووجب فتح الباب لكافة أبناء الشعب وليس لعائلات بعينها وأكرر للمرة الألف انه يستحيل إدارة أي صراع استراتيجي بعيد الأفق ببعض العائلات(خصوصا الفاسيين) وبعض الجمعيات والأحزاب التي تعمل داخل ذات الإطار المحدد من طرف البورجوازيات السائدة، وتكرار نفس المواقف بدعوى الإجماع في حين أن الاختلاف والتفاعل في الآراء لا يمس مبدأ الإجماع بل يدعمه بمنطق صلب وهو تبادل الأدوار نقطة الضعف المركزية في الموقف المغربي التي هي انعدام تام لإستراتيجية تبادل الأدوار من أجل هدف موحد…...
الخطأ المركزي الرابع، هو تخويف الجيران من المغرب بحيث أن العديد من القوى الجبارة داخل المغرب سواء في الصحراء أو الأقاليم الداخلية ليست لها مصلحة في حل النزاع، لأن إستمراره هو إستمرار لامتيازات ومصالح، كما سبقت الإشارة ولهذا يعملون جاهدين من أجل تخويف إسبانيا والجزائر والبوليساريو من المغرب، و إعطاء انطباع سيئ عن نواياه وفي كل فترة يكون فيها تفاوض أو بوادر لتفاهمات أو مقترح –وهذا أمر لاحظته منذ سنين خلت –يخرج علينا بعض ما يسمى بقياديي الأحزاب أو بعض /الجمعيات/بعبارات السب والقذف في وجه الجيران، من اجل توتير الأجواء بل وهناك من يحيي مطالب قديمة وصامتة للمغرب في أوقات غير مناسبة، وبطريقة عير مقبولة، وهناك من يعطي تصريحات أكبر منه وليس لهم القدرة على تنفيذها من قبيل الزحف نحو تفاريتي أو الزحف نحو تندوف، أي حاصل القول ظهور خيارات شعبوية إندفاعية متأثرة أكثر بفكر القبيلة أكثر منه للدولة ،أهدافها واضحة لا تخدم إلا مصالحها الفردية ليس إلا ،وتدعم حالة المقاومة لدى الأخر بحيث يعلن حالة الطوارئ وبرنامج التسلح الجزائري يثبت ما أقول، بحيث ترتفع وثيرة التسليح كلما علت لدينا الأصوات، لأن الأخر يعلم جيدا كيف تعمل الأحزاب و بعض الجمعيات في المغرب، وكل تحرك من جانب هذه الجهات يعتبره الأخر رسالة من جهات معينة إليه عبر هذه الإطارات الجماهيرية،لأن في الصراعات المصيرية تنتفي الحواجز بين الرسمي وغير الرسمي ويصبح الجميع متداخل بحيث يصعب التحديد أو التفريق .فقرار الدولة العدو يمكن أن يتغير ربما حتى بتصريح من جمعية صغيرة في حي شعبي بسيط، فكلها رسائل وتدرس بجدية بالغة .
الخطأ المركزي الخامس هو مواجهة المسؤولين المغاربة لنزاع إستراتيجي من النوع المعقد بالوهم والأحلام و النوستالجيا فبدل مواجهة الأحداث والوقائع على الأرض وتغيير التكتيكات على حسبها، تجدهم يتجاهلون آي طرف فاعل أو غير فاعل في النزاع ،ويرددون نفس الكلام الإسترزاقي والذي يعتبر مونولوج داخلي أصبحنا نتكلم في ما بيننا نفس الخطاب، ونصدق ما نقول، أي أننا متماسكين و أننا أقوياء في الداخل وأصدقائنا في الخارج يساندون ملف الوحدة الترابية وأن المغرب أجمل بلد في العالم ،وكلام من هذا القبيل لكن لماذا لا نسأل أنفسنا لماذا في ظرف وجيز تتابعت أحداث مدينة الحسيمة وأحداث مدينة صفرو ومدينة سيدي افني ومدينة العيون وبعدها إحداث مدينة الحسيمة الثانية في 10/12/2010 كلها كانت دامية وعنيفة وبكثل بشرية ضخمة هذا بدون الإشارة للاحتجاجات في المد اشر والقرى وتلك الدورية أمام البرلمان وما ظهر مؤخرا من خلال حركة 20 فبراير وكان الرد من طرف البرجوازية السائدة دائما هو أن هذه الأحداث إجتماعية وأن هناك أعداء يحركون الشارع و وهم مجرمون وذوو سوابق عدلية وغير وطنيين، وأن جو الإحتجاج يعكس الانفتاح الديمقراطي الذي يعرفه المغرب على عهد الفاسيين، أي أنهم سيطروا على كافة مداخل ومخارج السلط في المغرب، ويمارسون الآن الإستفزاز لملايين المواطنين عبر الإعلام الرسمي بل وصل بهم الأمر إلى خلق أعداء جدد للوحدة الترابية بنفس السلوك وعبر نفس الأطراف، أولا مع جنوب إفريقيا وجعلها تقف قوة إلى جانب البوليساريو، وبعدها مع حزب الله وما أدراك ما حزب الله في ما يتعلق بحرب المدن وقد سبق أن حذرت من هذا الأمر في مقال حول مواجهتنا الغير الضرورية للشيعة الحوثيين، بل وتم تعدي الأمر إلى إيران أي أصبحنا نعادي أطراف قوية وندفعها لأحضان البوليساريو ولنتخيل أن تدعم إيران بخبراتها الحالية وحزب الله البوليساريو. إنها بالنسبة لي من السيناريوهات المخيفة،والأن نسمع بعض اللغط حول مجلس التعاون الخليجي .
وحاصل القول هو الخلاصات المركزية التالية والتي سبق التعبير عنها منذ مدة
أ،إن مطلب إسترجاع الصحراء إلى السيادة المغربية بشكل نهائي بانعزال عن المطالب الترابية الأخرى للمغرب سواء الصامتة أو المعلنة هو أمر مستحيل وغير ممكن ،لأن الوحدة الترابية للمغرب كل لا يتجزأ ،ولا يمكن إخضاعه للتكتيكات٠
ب،أن المغرب الآن ضعيف لأنه لا يواجه بكامل طاقته ،بل ما يوجد على الأرض مجرد طاقات في أغلبها مرفوضة شعبيا، غير كاريزمية، متشبثة بخطاب عاطفي قزمي الرؤية ،بعيد عن المنطق المفروض أن نتعامل به في الصراعات الإستراتيجية والمصيرية من هذا الحجم، وليتذكر الجميع ما كان يقوله المرحوم الحسن الثاني الخير من الصحراء والشر من الصحراء٠
ج،أن إستكمال الوحدة الترابية للمغرب لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مسارين متوازيين هما أولا التنازل عن التكتيكات وفتح كافة ملفات الوحدة الترابية دفعة واحدة لإرباك المنطقة والمجتمع الدولي وفي نفس الوقت خوض حرب لأن الحرب هي الخيار الوحيد القادر على تليين مواقف الجيران الأشقاء والوصفة الوحيدة القادرة على إعادة التوازن والعدالة الاجتماعية والديمقراطية لدول المنطقة فقد وصل النموذج التونسي إلى الفشل وأبان النموذج الجزائري للتنمية والديمقراطية عن عجز حتى في الوصول للحد الأدنى من الأهداف وكذلك النموذج الموريتاني والليبي و في المغرب لا نلمس أي إنجاز في الواقع الملموس فقط نسمع عنه في نشرات الأخبار العمومية . ولهذا أصبحت الحرب خيارا مطروحا وهي ضرورة حيوية لدول المنطقة للخروج من المأزق الاجتماعي وامتصاص الاحتجاجات عبر افراغ الغضب الشعبي في حرب جانبية وتحويل اي طاقة احتجاجية الى وقود للمعارك وكيف ما كان الحال فالحرب قادمة لا ريب فيها و المسالة مسالة وقت ليس إلا .ومن لايستعد لها بجدية فهو حر رغم ان كلا البلدين ينتهجان سياسة التدمير الذاتي للعمق مما يجعلها عاجزة عن خوض حرب طويلة الامد،وكما قال بيير روسي،إن النظام القائم على السلم ما هو إلا كثلة من العواطف . و الحمد لله رب العالمين . الأمن القومي المغربي
مهتم بشؤون الأمن القومي
منشور في اسبوعية ما وراء الحدث العدد 40 / 09/09/2011