الجيش المغربي بين الماضي والحاضر |
كان الذين كتبوا عن المغرب محللين مظاهر عظمته ، ومميزاته و عبقريته بل و صموده و اتزانه ، دائما يرتكزون على ان الجيش المغربي ظل في مقدمة العوامل المؤثرة بل هو ايضا اساس المؤثرات السياسية التي لعبت الدور البارز في تطور الوجود المغربي و نمو عبقريته التي كانت مراة صادقة لكل الحركات و التطور التي عاشها عبر تاريخه السحيق في القدم ، و قد استخلص مؤرخ كتاب(الحضارة المغربية ) ان الجيش الوطني مظهر للحضارة وقوام السيادة مما بجعل المغرب بفخر على كثير من الدول بانه من الامم التي ادركت قيمة هذا المظهر و قوامه ، ثم اختار باصالة و اقتناع ان ينصب رئيس دولته منذ قيام الدولة المغربية المسلمة قائدا اعلى للجيش يوجه في الحرب ، و يشرف على التدريب و الاستعراض في السلم، و تلك نتيجة احتاجت كثير من الامم و الدول لقرون عدة يعدنا للتوصل الى نتائجها ، و هي نظرية لها اصالتها و اعتباراتها في مدرسة العلوم العسكرية و لا اقول بانها مغربية و لاكنها تستمد اصولها وعمقها من الفكر العسكري المغربي كنظرية ( الخطة الهلالية ) و ( خطة التراجع الرادعة ) و( خطة الكشف الصامتة ) و ( خطة اختفاء توزيع الخطة ) وهي من النظريات العسكرية الجديدة التي انبثقت في الفكر العسكري المغربي و استعملت في المعركة الكبرى بعد سنة 1953 في وحدات جيش التحرير و المقاومة .
و اذا كنت في هذه الدراسة المقتضبة التي اقدمها بهذه المناسبة و ذلك للحديث في هذا الموضوع ـ كما اقترح علي ـ فانني قد وجدت نفسي بعد تقليب بعض المراجع امام موضوع متنوع الجوانب ، وجميل ، و شائك في نفس الوقت لقيمته الفنية من جهة ، ثم لتوفر العناصر الرائعة التي تحدثنا عن امجاد الجيش المغربي من جهة ثانية و التطور الذي واكب تغيير الدول التي تعاقبي على العرش المغربي خصوصا عصور الدولة العلوية التي وزعت الى مناطق عسكرية و بلغت قلعها المنتشرة على العهد الاسماعيلي ستة و سبعون قلعة موزعة بمختلف نواحيه ، في حين جهزت و حدات مدفعية ( الطبجية ) بالبطاريات العصرية ، و اصبح المشاة يستخدمون الاسلحة المصنوعة بفاس بينما تذكر الوثائق الرسمية ان الاسطول البحري في عهد سيدي محمد بن عبد الله تجاوزت مراكبه الخمسين قطعة من بينها ثلاثون ( فركاطة ) تضم ستين قائدا و سبعة الاف من البحارة و الرماة مما بجعل الوحدة العسكرية كاملة لتجهيز ذات اعتبار بالنسبة للتخطيط العسكري العام في عدد من الدول المتوسطة .
و ساحاول هنا ان اعرض صورا احاول بعض الشيء ان تقرب للقارئ اليوم ما وصلت اليه قواتنا العسكرية من عظمة و قدرة و تفوق ليس من حيث العدد مما يشير ان الخطوات كانت موفقة في كل ابعادها...
و الصور التي اخترت في هذه الدراسة :
1) تتحدث اثنين منها عن السمعة الخارجية للجيش .
2)بينما الصورة الثالثة تشير الى قيمة الصناعة الحربية بالمغرب و اهميتها حتى في بداية القرن الحالي.
3) اما الصورة الرابعة للشكل و الاهمية التي كان يمثلها في اطار الدولة وهذه الصور هي كما يلي :
اولا ـ ذكر العلامة ابن خلدون في تاريخه ان المنصور الموحدي ( 595 هـ - 1158 م ) امد صلاح الدين الايوبي بمائة و ثمانين اسطولا لمقاتلة النصارى بفلسطين وقال يالنص:
( وهذا دليل على اختصاص ملوك المغرب بالاساطيل الجهادية ، و عدم عناية الدول بمصر و الشام لهذا العهد بها )) .
ثانيا : ينص البند العاشر من المعاهدة الامريكية المغربية (1) الذي و قعها السلطان سيدي محمد بن عبد الله و المولى عبد الرحمان بعد نصف قرن حرفيا على ما يلي :
((انه متى وقع قتال من احد الجانبين مع بعض اجناس النصارى وكان القتال قريبا في بعض مدن الجانبين فاننا نعين بعضنا على ذلك الجنس حتى يغلب او يذهب )).
ثالثا ـ ذكر صاحب كتاب ويجسجربير المطبوع سنة 1947 :
(( انه تاسست يمدينة فاس على عهد عبد الحفيظ لجنة خاصة اشرفت على صنع الذخيرة و السلاح(2) ))
رابعا ـ وذكرت عدة مصادر اخرى (( انه كانت توجد في كل جهة دفاتر تحتوي على لوائح جنود القبائل ، وكان فيه في كل قبيلة بجانب السجل الجبائي سجل خاص بالخدمة العسكرية يحرر في نسختين )).
و الحقيقة التي نلمسها من مجموع هذه الصور الاربعة واضحة و هي تكتفي كتعريف عام لمركز الجيش وكفاءته و قدرته و دوره في مغرب متطور لم بكتف بالبقاء على عناصر مجتمعة و تحيلاتهم ناسين ان الذين كتبوا عن جيش المرابطين قد عرفوه بانه (( جيش نظامي جديد درب على الحياة العسكرية ، و انقطع لها )) .
و تحدثوا عن جيش الموحدين فاوضحوا بانه اتسم بطابع جديد ضاعف قوته و كتل صفوفه ، و اضاف و حداته تدريب ثلاثة الاف من الطلبة بالاظافة الى العلوم التقليدية كالتدريب المستمر على ركوب الخيل و السباحة و الرماية و التجذيف في البحيرة المؤسسة لهذه الغاية .
السلاح المغربي :
و يقول العلامة ابن زيدان في كتابه ( العز و الصولة في معالم نظام الدولة بالحرف :
( كان من جملة ما توجهت اليه عناية ملوكنا العلويين انشاء مصانع بمختلف الايائة المغربية لانتاج البارود لتموين الجيش ، و امداده بما يحتاج منه للدفاع عن البلاد و توطيد الامن باطرافها ، و قد كانت العناية بهذا الانتاج بالغة الى اقصى حدها الى درجة ان كل مدينة من المدن كانت تتوفر على معامل ومصانع تخرج مقادير كبيرة من البارود و لا تزال اماكنها في هذه المدن قائمة تعرف بدار البارود ، ففي فاس ومكناس و الرباط و طنجة ورودانة وغيرها بنايات بقيت الى الان تحمل هذا الاسم و تذكر بعظمة منشئها الغطاريف كما كان بمراكش الحمراء معمل هائل لا تزال اطلاله ماثلة للعيان بساحة اجدال ، و يعتبر هذا المعمل من اشهر المعامل قدما و اكثرها انتاجا و صنعا ، و يبلغ الحاذقون بصنع هذه المادة اللازمة لكل امة تريد الدفاع عن كيانها انهم كانوا يتقنون في درجات صنعه و استعماله .
و يظهر ان ملوكنا ـ يقول العلامة ابن زيدان ـ كانوا يقصدون بانشاء هذه المصانع المختلفة جعل المملكة في صف الامم المتحضرة التي يبدو مظهر رقيها من خلال وفرة مصانعها و عنوان تقدمها ، باكتفائها عن سواها و بما تصنعه ايدي ابنائها ...
ولا يعني هذا ان المغرب كان يصنع البارود وحده ، ولكن كانت الى جانب دار البارود مصنع السلاح ( دور المكينة ) وكل الوثائق الموجودة ، وحسب اطوار التاريخ المغربي فاننا نجد ان المغرب كان يستخدم :
- السيوف
- و الحراب
- و البنادق
- و المسدسات
- و الآلات المضادة للمدافع
- و الألغام.
اما المدافع فقد عرفها المغرب لاول مرة على عهد المرينيين (3) و قد عرفنا اخر مدرسة للصناعات الحديثة الدقيقة اقيمت بالمغرب على احدث طراز على عهد السلطان سيدي محمد ين عيد الله الذي بعث بمعلمي البمب ( القنابل) الى تطاوين فكان احدهم يفرغ البمبة من قنطار .
كما بعث معلم الرمي الى رباط الفتح فكان بعلم بها الطبجية من اهل سلا و الرباط ، و تخرج على يديه نجباء ، ومن تم توارث اهل العد وتين هذه الصناعة مدة ثم رد اصحاب المدافع و المعاريس الى فاس فأقاموا بها الى ان توفوا ...
و هذا التطور جاء نتيجة لمراحل قطعها المغرب في عصور و أحقاب ومن هذه الصور يحدثنا التاريخ بانه كان (( للسعديين ولوع زائد بتطور الاسلحة حتى قيل انهم كانوا يتوفرون على مدفع يسمى ( الميمونة ) كان يبث الرعب في النفوس (4)...))
ومن خلال بعض النصوص التي توقفت عليها يترجح عندي ان المغرب قد يكون هو اول دولة فكرت في إقامة القواعد العسكرية الإستراتيجية ، و ذلك بالفعل ما نستخلصه من قصة بناء مدينة الصويرة .
ثم ان هذه المدينة باعتبار اخر نجد ان المولى بن عبد الله اختطها و اثقن و ضعها و ثائق في بنائها ، و شحن الجزيرتين بالمدافع ، و شيد برجا على صخرة داخل البحر ، و شحنه كذلك فصار القاصد للمرسى لا يدخلها الا تحت رمي المدافع من البرج و الجزيرة معا و هذه الحقيقة صورة من عدد من الصور التي لا زالت قائمة الذات الى يومنا هذا تتحدث عن عظمة هذا الجيش و عبقرية مسيرته و أهدافهم الواضحة .
-*-
و كنتيجة حتمية للتطور فاننا نجد ان التراجع الذي اصاب المغرب في بعض الأحيان كان طبيعيا طبقا لسنة التطور و الارتقاء ان يصيب الجيش المغربي هو ايضا لنفس الاعتبارات السالفة ، و لذلك تجد ان معركتين خسرهما المغرب في ايسلي سنة 1845 م مع فرنسا في الجزائر . ومع اسبانيا في تطوان سنة 1860 م قد هزت الفكر المغربي فاعاد النظر في تنظيم و احداث جيشه و معداته و تفكيره العسكري كذلك.
و يعتبر الملك المولى محمد الرابع اول ملك في الحقيقة حاول الخروج بالجيش المغربي من الاسلوب المتوارث في الشكل فوضع نظاما جديدا و خط له اسلوبا متجددا هو الاسلوب الذي تعهده جلالة الحسن الاول و رعاه .
كذلك نجد ان مفهوم المولى محمد الرابع كان يرتكز على ان نتائج المعارك ليست نتيجة تفوق معنوية الجيش او ضعف معنويته ، و لكنها نتيجة ضعف الاسلوب و مدى صلاحية تطوره و هذا هو اهم مفهوم ادخل النظام العصري على الجيش ، و هذا ما جعلنا ندرك بوضوح ان عهد الحسن الاول قد تميز بعوامل هزت الجيش عامة و الجندي المغربي بصفة خاصة من الاعماق باعتبار جلالته عمل على :
1 – تكوين الاطر العسكرية خارج المغرب في العلوم و الفنون الحديثة و التخلص العسكري .
2 – اسس المدارس و المؤسسات التعليمية لهذا الغرض كالمدرسة المركزية ومعهد المدفعية بالجديدة .
و اذا كانت حركة التجديد هذه قد تقاربت في سيرها قرنا من الزمن فنها قامت بادخال تنظيمات حديثة و باساليب جديدة فان الطابع الذي يطبع اتجاهنا اليوم في بناء وحداث القوات المسلحة الملكية هو مشاركته في البناء الاجتماعي ، باعتبار الحرب ضد التخلف هي اول الضرورات الانسانية للقضاء على شبح الحروب وويلاتها ، و هذا هو الهدف الذي يحدو جنشنا في نموه اليوم و يمثل شعار وحداته و انفاره . وذلك ما يشير اليه الاستاذ احسان حقي في كتابه ( المغرب العربي ) حيث يقول .
(( و يقوم الجيش المغربي باخلاص بواجبه نحو البلاد ، و لن تحتاج الحكومة الى خدماته قط و لكنه يقوم بالاعمال الاجتماعية و العمرانية ويشارك بها متطوعا ، لان الامن المنتشر في المغرب يكاد يكون مثاليا )).
عن دعوة الحقو ساحاول هنا ان اعرض صورا احاول بعض الشيء ان تقرب للقارئ اليوم ما وصلت اليه قواتنا العسكرية من عظمة و قدرة و تفوق ليس من حيث العدد مما يشير ان الخطوات كانت موفقة في كل ابعادها...
و الصور التي اخترت في هذه الدراسة :
1) تتحدث اثنين منها عن السمعة الخارجية للجيش .
2)بينما الصورة الثالثة تشير الى قيمة الصناعة الحربية بالمغرب و اهميتها حتى في بداية القرن الحالي.
3) اما الصورة الرابعة للشكل و الاهمية التي كان يمثلها في اطار الدولة وهذه الصور هي كما يلي :
اولا ـ ذكر العلامة ابن خلدون في تاريخه ان المنصور الموحدي ( 595 هـ - 1158 م ) امد صلاح الدين الايوبي بمائة و ثمانين اسطولا لمقاتلة النصارى بفلسطين وقال يالنص:
( وهذا دليل على اختصاص ملوك المغرب بالاساطيل الجهادية ، و عدم عناية الدول بمصر و الشام لهذا العهد بها )) .
ثانيا : ينص البند العاشر من المعاهدة الامريكية المغربية (1) الذي و قعها السلطان سيدي محمد بن عبد الله و المولى عبد الرحمان بعد نصف قرن حرفيا على ما يلي :
((انه متى وقع قتال من احد الجانبين مع بعض اجناس النصارى وكان القتال قريبا في بعض مدن الجانبين فاننا نعين بعضنا على ذلك الجنس حتى يغلب او يذهب )).
ثالثا ـ ذكر صاحب كتاب ويجسجربير المطبوع سنة 1947 :
(( انه تاسست يمدينة فاس على عهد عبد الحفيظ لجنة خاصة اشرفت على صنع الذخيرة و السلاح(2) ))
رابعا ـ وذكرت عدة مصادر اخرى (( انه كانت توجد في كل جهة دفاتر تحتوي على لوائح جنود القبائل ، وكان فيه في كل قبيلة بجانب السجل الجبائي سجل خاص بالخدمة العسكرية يحرر في نسختين )).
و الحقيقة التي نلمسها من مجموع هذه الصور الاربعة واضحة و هي تكتفي كتعريف عام لمركز الجيش وكفاءته و قدرته و دوره في مغرب متطور لم بكتف بالبقاء على عناصر مجتمعة و تحيلاتهم ناسين ان الذين كتبوا عن جيش المرابطين قد عرفوه بانه (( جيش نظامي جديد درب على الحياة العسكرية ، و انقطع لها )) .
و تحدثوا عن جيش الموحدين فاوضحوا بانه اتسم بطابع جديد ضاعف قوته و كتل صفوفه ، و اضاف و حداته تدريب ثلاثة الاف من الطلبة بالاظافة الى العلوم التقليدية كالتدريب المستمر على ركوب الخيل و السباحة و الرماية و التجذيف في البحيرة المؤسسة لهذه الغاية .
السلاح المغربي :
و يقول العلامة ابن زيدان في كتابه ( العز و الصولة في معالم نظام الدولة بالحرف :
( كان من جملة ما توجهت اليه عناية ملوكنا العلويين انشاء مصانع بمختلف الايائة المغربية لانتاج البارود لتموين الجيش ، و امداده بما يحتاج منه للدفاع عن البلاد و توطيد الامن باطرافها ، و قد كانت العناية بهذا الانتاج بالغة الى اقصى حدها الى درجة ان كل مدينة من المدن كانت تتوفر على معامل ومصانع تخرج مقادير كبيرة من البارود و لا تزال اماكنها في هذه المدن قائمة تعرف بدار البارود ، ففي فاس ومكناس و الرباط و طنجة ورودانة وغيرها بنايات بقيت الى الان تحمل هذا الاسم و تذكر بعظمة منشئها الغطاريف كما كان بمراكش الحمراء معمل هائل لا تزال اطلاله ماثلة للعيان بساحة اجدال ، و يعتبر هذا المعمل من اشهر المعامل قدما و اكثرها انتاجا و صنعا ، و يبلغ الحاذقون بصنع هذه المادة اللازمة لكل امة تريد الدفاع عن كيانها انهم كانوا يتقنون في درجات صنعه و استعماله .
و يظهر ان ملوكنا ـ يقول العلامة ابن زيدان ـ كانوا يقصدون بانشاء هذه المصانع المختلفة جعل المملكة في صف الامم المتحضرة التي يبدو مظهر رقيها من خلال وفرة مصانعها و عنوان تقدمها ، باكتفائها عن سواها و بما تصنعه ايدي ابنائها ...
ولا يعني هذا ان المغرب كان يصنع البارود وحده ، ولكن كانت الى جانب دار البارود مصنع السلاح ( دور المكينة ) وكل الوثائق الموجودة ، وحسب اطوار التاريخ المغربي فاننا نجد ان المغرب كان يستخدم :
- السيوف
- و الحراب
- و البنادق
- و المسدسات
- و الآلات المضادة للمدافع
- و الألغام.
اما المدافع فقد عرفها المغرب لاول مرة على عهد المرينيين (3) و قد عرفنا اخر مدرسة للصناعات الحديثة الدقيقة اقيمت بالمغرب على احدث طراز على عهد السلطان سيدي محمد ين عيد الله الذي بعث بمعلمي البمب ( القنابل) الى تطاوين فكان احدهم يفرغ البمبة من قنطار .
كما بعث معلم الرمي الى رباط الفتح فكان بعلم بها الطبجية من اهل سلا و الرباط ، و تخرج على يديه نجباء ، ومن تم توارث اهل العد وتين هذه الصناعة مدة ثم رد اصحاب المدافع و المعاريس الى فاس فأقاموا بها الى ان توفوا ...
و هذا التطور جاء نتيجة لمراحل قطعها المغرب في عصور و أحقاب ومن هذه الصور يحدثنا التاريخ بانه كان (( للسعديين ولوع زائد بتطور الاسلحة حتى قيل انهم كانوا يتوفرون على مدفع يسمى ( الميمونة ) كان يبث الرعب في النفوس (4)...))
ومن خلال بعض النصوص التي توقفت عليها يترجح عندي ان المغرب قد يكون هو اول دولة فكرت في إقامة القواعد العسكرية الإستراتيجية ، و ذلك بالفعل ما نستخلصه من قصة بناء مدينة الصويرة .
ثم ان هذه المدينة باعتبار اخر نجد ان المولى بن عبد الله اختطها و اثقن و ضعها و ثائق في بنائها ، و شحن الجزيرتين بالمدافع ، و شيد برجا على صخرة داخل البحر ، و شحنه كذلك فصار القاصد للمرسى لا يدخلها الا تحت رمي المدافع من البرج و الجزيرة معا و هذه الحقيقة صورة من عدد من الصور التي لا زالت قائمة الذات الى يومنا هذا تتحدث عن عظمة هذا الجيش و عبقرية مسيرته و أهدافهم الواضحة .
-*-
و كنتيجة حتمية للتطور فاننا نجد ان التراجع الذي اصاب المغرب في بعض الأحيان كان طبيعيا طبقا لسنة التطور و الارتقاء ان يصيب الجيش المغربي هو ايضا لنفس الاعتبارات السالفة ، و لذلك تجد ان معركتين خسرهما المغرب في ايسلي سنة 1845 م مع فرنسا في الجزائر . ومع اسبانيا في تطوان سنة 1860 م قد هزت الفكر المغربي فاعاد النظر في تنظيم و احداث جيشه و معداته و تفكيره العسكري كذلك.
و يعتبر الملك المولى محمد الرابع اول ملك في الحقيقة حاول الخروج بالجيش المغربي من الاسلوب المتوارث في الشكل فوضع نظاما جديدا و خط له اسلوبا متجددا هو الاسلوب الذي تعهده جلالة الحسن الاول و رعاه .
كذلك نجد ان مفهوم المولى محمد الرابع كان يرتكز على ان نتائج المعارك ليست نتيجة تفوق معنوية الجيش او ضعف معنويته ، و لكنها نتيجة ضعف الاسلوب و مدى صلاحية تطوره و هذا هو اهم مفهوم ادخل النظام العصري على الجيش ، و هذا ما جعلنا ندرك بوضوح ان عهد الحسن الاول قد تميز بعوامل هزت الجيش عامة و الجندي المغربي بصفة خاصة من الاعماق باعتبار جلالته عمل على :
1 – تكوين الاطر العسكرية خارج المغرب في العلوم و الفنون الحديثة و التخلص العسكري .
2 – اسس المدارس و المؤسسات التعليمية لهذا الغرض كالمدرسة المركزية ومعهد المدفعية بالجديدة .
و اذا كانت حركة التجديد هذه قد تقاربت في سيرها قرنا من الزمن فنها قامت بادخال تنظيمات حديثة و باساليب جديدة فان الطابع الذي يطبع اتجاهنا اليوم في بناء وحداث القوات المسلحة الملكية هو مشاركته في البناء الاجتماعي ، باعتبار الحرب ضد التخلف هي اول الضرورات الانسانية للقضاء على شبح الحروب وويلاتها ، و هذا هو الهدف الذي يحدو جنشنا في نموه اليوم و يمثل شعار وحداته و انفاره . وذلك ما يشير اليه الاستاذ احسان حقي في كتابه ( المغرب العربي ) حيث يقول .
(( و يقوم الجيش المغربي باخلاص بواجبه نحو البلاد ، و لن تحتاج الحكومة الى خدماته قط و لكنه يقوم بالاعمال الاجتماعية و العمرانية ويشارك بها متطوعا ، لان الامن المنتشر في المغرب يكاد يكون مثاليا )).
http://www.almoharib.com/