حصر مهام الأمن الداخلي في وزارة واحدة: مدخل الإصلاح الأمني |
ثمة ضرورة ملحّة لإصلاح أو تغيير البنى الأمنية الراهنة في الدول العربية التي تشهد مرحلةً انتقالية، ويشكّل حصر مهام الأمن الداخلي في وزارة واحدة مدخلاً إلى الإصلاح الأمني.
لذلك يقتضي اعتمادُ تحديد دستوري واضح لمفهوم ودور القوى الأمنية، والبحث في موازنة متكافئة لها مع الدخل القومي، وتقدير ظروف استخدام متناسبة مع احترام الحقوق الدستورية والقانونية للجماعات وللأفراد.
وسيساهم توحيد الإشراف التنفيذي على القطاع الأمني من قبل وزارة واحدة بتمكين السلطة التشريعية من مراقبة ممارسات هذا القطاع، أثناء وبعد عملية الانتقال نحو الدولة الديمقراطية المنشودة.
لقد كشف الربيع العربي إفلاس "الدولة الأمنية"، وتأكد أن الأجهزة الأمنية المختلة والسلطوية وغير الخاضعة إلى المساءلة هي أحد مصادر عدم الاستقرار السياسي والعنف وإعاقة التنمية البشرية.
في مصر، على سبيل المثال، شكل قطاع الأمن ما قبل ثورة أكتوبر عبئاً على الاقتصاد الوطني؛ فقد كانت مصر تنفق سنوياً 1.2% من دخلها الإجمالي على الشرطة: ما يوازي 6 أضعاف مؤشر الإمارات العربية المتحدة البالغ 0.2%، وأربعة أضعاف مؤشر الولايات المتحدة الأميركية البالغ 0.3% .
كذلك فإن الشرطة في مصر تكلف المواطن المصري 1.1% من دخله السنوي البالغ 2922 دولار، أي 11 ضعف تلك النسبة في الإمارات البالغة 0.1%، وأكثر من 5 أضعاف مثيلتها في الولايات المتحدة والبالغة 0.2%.
ويبدو حتى الآن، أن إصلاح قطاع الأمن في الدول العربية التي تشهد مرحلة انتقالية جاء بشكل رئيس بدفع من الدول المانحة، ولم تكن المصلحة الأمنية الوطنية بالضرورة في مقدمة أولويات برامج المساعدات.
فقد أسهم التركيز الشديد من تلك الدول على تطوير قدرات أمنية هادفة إلى مكافحة الإرهاب، في الحؤول دون اعتماد مقاربة شاملة لإصلاح قطاع الأمن.
ولكن، ما لم يتكون الاقتناع القوي بضرورة البدء بالإصلاح المحلي في السلطات المنتخبة الجديدة لن يحصل الإصلاح المنشود.
يقول توماس فريدمان: "لا يمكننا أن نسمح لهم بأن يأتوا إلينا ليقولوا: 'نحتاج للمال، لكن سياساتنا في الوقت الحالي لا تسمح لنا القيام ببعض الأمور، أعطونا فترة سماح.' لقد قبلنا هذه الجملة لمدة 50 عاماً من حكامهم السابقين ولم تسر الأمور جيداً. علينا التمسّك بمبادئنا".
من ناحية أخرى، يجب الحرص على عدم تسريع الإجراءات ما لم تُواكب بتطور اضطرادي لا يحرق المراحل، كي لا نحمّل سوء تطبيق الديمقراطية فشل الإصلاح المنشود. ففي العراق مثلاً: لم تحل مكان الديكتاتورية أنظمة ديموقراطية، بل حل "فساد حكومي منتخب". والفساد الحكومي المنتخب هو عندما تستبدل الديكتاتورية بحكومة منتخبة "قبل" بناء مؤسسات المحاسبة والشفافية، في وقت تتكدّس فيه أموال طائلة بفضل عائدات النفط.
ويبرز اهتمام أممي ودولي حول قضية تحوّل القطاع الأمني وإصلاحه في العالم العربي من خلال عقد المؤتمرات، والتي كان آخرها في كانون أول/ ديسمبر الماضي، في مركز الأمم المتحدة في بيروت، بتنظيم مشترك من مركز كارنيغي للشرق الأوسط واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا)، بمشاركة مجموعات بحثية متخصصة من دول مصر وليبيا واليمن، وتونس وفلسطين والجزائر والمغرب والعراق.
ومساهمة في هذا الجهد، ومن خلال التجارب والخبرات التي اكتسبتها بعد خدمتي الطويلة في قوى الأمن الداخلي، أرى أن تسمية وزارة خاصة بالأمن الداخلي سيقود إلى توحيد الإمرة والدور والمهام للأجهزة الأمنية كافة، ويشكل حصر الإشراف التنفيذي على قطاع الأمن ألف باء إصلاح هذا القطاع.
وأعني بقطاع الأمن: جميع الهيئات الأمنية وتلك المولَجة إنفاذ القانون، بما فيها وكالات المخابرات، التي تتولّى أيّ شكل من أشكال الضبط وتطبيق القانون وحفظ النظام.
وأعني بقطاع الأمن: جميع الهيئات الأمنية وتلك المولَجة إنفاذ القانون، بما فيها وكالات المخابرات، التي تتولّى أيّ شكل من أشكال الضبط وتطبيق القانون وحفظ النظام.
ويشمل التعريف أيضاً القوات شبه العسكرية التي تتبع وزارة الدفاع، ولكنها تضطلع بدور في مجال حفظ الأمن والنظام وتطبيق القانون محلياً، والتي يُفترَض أن تدخل جميعها أو معظمها تحت إمرة وزارة الداخلية، فيما تندرج ضمنه كذلك القوات شبه العسكرية التابعة لوزارة الداخلية كالدفاع المدني، أو وزارة المال كالجمارك التي تعتبر من حيث كونها تراقب النقاط الحدودية جزءاً من المنظومة الأمنية.
وأعني بتوحيد الإشراف التنفيذي: تحديد المسؤولية المنوطة بالسلطة التنفيذية بتخصيص وزارة تعنى بالأمن الداخلي دون أية مهام أخرى. ففي لبنان، مثلاً، تشمل مهام "وزارة الداخية والبلديات" الإشراف على عمل البلديات والمخاتير، ويتبع لها المديرية العامة للأحوال الشخصية، والمديرية الإدارية المشتركة، والمديرية العامة للإدارات والمجالس المحلية، والمديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين، ومصلحة تسجيل الآليات. بالإضافة الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومديرية الدفاع المدني.
مع العلم أن مديرية المخابرات هي إحدى أجهزة الجيش اللبناني وتتبع وزارة الدفاع، وألحقت مديرية أمن الدولة منذ إنشائها عام 1986 برئاسة الحكومة، وما زالت مديرية الجمارك العامة تابعة لوزارة المال.
من هنا، يبدو أن توحيد الإشراف التنفيذي يحصر مهام الوزارة بالأمن فقط، ويشكل مدخلاً إلى تحديد مهام ودور كل جهاز أمني، ويسهم بالتالي في عدم تشابك الصلاحيات بين الأجهزة، وأهم من هذا كله سيقود هذا الإخضاع إلى إشراف مباشر على إعداد الموازنة وكيفية صرفها، ويسمح للسلطة التشريعية بممارسة دور الرقابة على حسن تنفيذ القوانين
العميد (م) ناجي ملاعب
موقع الأمن والدفاع العربي