النزاع المغربي المصري في بعده الجيواستراتيجي |
*الأستاذ المصطفى المعتصم
ما يحدث اليوم من تطورات سلبية في العلاقات المغربية الجزائرية والمغربية المصرية يعكس تنافسا حقيقيا قائما بين هذه الدول الثلاث : المغرب والجزائر ومصر ، كل واحدة منها تريد أن تكون القوة الإقليمية الأكثر تأثيرا في منطقة إفريقيا الشمالية وبلاد الساحل والصحراء الكبرى بل وفي كل منطقة الغرب الإسلامي الممتدة جنوبا إلى الغرب الإفريقي وتحديدا منطقة كانو النيجيرية . قوة تعول عليها الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا والغرب عموما في المرحلة الحالية حيث الحرب على الإرهاب على أشدها وقد يعول عليها غدا ، من يدري ، في تطويق التوسع الصيني في هذا الجزء من القارة السمراء. وإذا كان المغرب قد تحلى بنوع من الواقعية فأعرب في أكثر من مناسبة استعداده للدخول في تعاون إقليمي مع الجزائر خصوصا لقيادة مشتركة لتحالف إقليمي في بلاد الساحل والصحراء الكبرى وشمال إفريقيا لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر حدودية ، فإنه كان دائما يصطدم بالموقف الجزائري المتصلب عن سبق اصرار وتعمد موقف تبتغي منه الجزائر إقصاء المغرب وعزله عن أي ترتيب إقليمي وجهوي . بدلالة حرص الجزائر مؤخرا على نسف كل المجهودات التي قام بها المغرب لاختراق ما وراء الحدود مع موريتانيا وخصوصا في مالي .
إن مصر التي شهدت في سنة 2011 حراكا شعبيا أطاح بحكم الرئيس حسني مبارك ، حراك تلته انتخابات جعلت محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية . لكن القوى المناهضة للتحول إلى الديمقراطية وعلى رآسها الجيش المصري سيقومون - مستغلين سوء تدبير الحكام الجدد للمرحلة - بتحركات مضادة توجت بانقلاب عسكري بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بالشرعية. طيلة هذه الفترة المضطربة ، دخلت مصر في دوامة من الصراعات الداخلية جعلتها لمرحلة معينة خارج دائرة التنافس الإقليمي في إفريقيا الشمالية والصحراء الكبرى وبلاد الساحل بل خارج التأثير على ما كان يجري في حوض النيل الحيوي بالنسبة لمصر . لكن مع وصول عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي بدأت القيادة العسكرية المصرية في التفكير باستعادة دور مصر عربيا والإسلاميا والإفريقيا .
و في اعتقادي لم يكن التصريح الذي أدلى به عبد الفتاح السيسي والذي قال فيه أن الجيش المصري بإمكانه احتلال الجزائر في ثلاثة أيام فلتة لسان أو خطأ عابر وغير مقصود ، بل كان رسالة واضحة لأصحاب القرار الأمريكي تذكرهم بالدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش المصري وتقول بواضح العبارة أن الرهان الحقيقي في الترتيبات الإقليمية الجارية بمنطقتنا يجب أن يكون على أساس الريادة الإقليمية لمصر أو على الأقل على أساس تقاسم الريادة بين مصر والجزائر . وأظن أن هذا التصريح البوليميكي هو الذي حدد جدول أعمال زيارة السيسي للجزائر حيث لم تكن فقط زيارة للاعتذار للجزائر بل لوضع معالم تعاون إقليمي مصري جزائري خصوصا أمام تعقد الوضع الليبي وانفلات الأمن بهاذا البلد وتوسع دائرة تحرك المنظمات الإرهابية في الصحراء الكبرى وبلاد الساحل التي أصبحت على مستوى عال من التسلح الذي حصلت عليه أو اشترته من ليبيا.
ومعنى كلامي هذا أن القيادة الإنقلابية في مصر كانت تعتقد منذ البداية بأن الجزائر هي المنافس الإقليمي الوحيد لها في المنطقة معتبرة إن هذا هو الاتجاه والمنحى الذي يميل إليه موقف آصحاب القرار في الولايات المتحدة الأمريكية . أي إن المغرب خارج عن دائرة التنافس على الريادة الإقليمية خصوصا بعد الفتور في العلاقات الأمريكية المغربية بعدما أبانت أمريكا عن نيتها في تقديم طلب للأمم المتحدة من أجل توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء الساقية الحمراء ووادي الذهب.
إن مصر السيسي التي سعت وتسعى بطلب ودعم خليجي واضح إلى التدخل في الصراع الدائر في ليبيا لصالح طرف دون آخر ستجد نفسها تتورط تدريجيا في حرب قد لا يكون الجيش المصري مؤهل حاليا للاستنقاع فيها وقد يجره الفخ الليبي إلى هزيمة عسكرية كتلك الهزائم التي طالته في كل حروبه مع إسرائيل أو في تدخلاته الفاشلة في الشأن الداخلي العربي ، في اليمن وخلال حرب الرمال بداية الستينات بين المغرب والجزائر . لهاذا الأمر تريد مصر تقوية روابط التنسيق مع الجزائر، المعترضة طبعا على أي دور مغربي في المنطقة، من أجل التعاون لإعادة ترتيب الوضع في ليبيا و التعاون على الترتيبات الأمنية في بلادالساحل والصحراء الكبرى . وفي سعيها للوصول إلى التفاهم مع الجزائر فمصر مستعدة كل الاستعداد لتقديم فاتورة هذا التقارب / التفاهم ولو كان الاعتراف بالبوليساريو والتقرب من الموقف الجزائري اتجاه النزاع في الصحراء المغربية . ولعل ما شجع السيسي على خياراته الخاطئة هته توهمه وتوهم القيادة الانقلابية المصرية أن المغرب لن يتجرأ على اتخاذ موقف صارم من سياسة مصر الجزائرية بحكم التأثير الكبير والضغط الذي قد تمارسه العواصم الخليجية على المغرب حتى ولو تطاول عليه السيسي وإعلامه لنيل رضى الجزائر و التحالف معها .
إن الحملة الإعلامية العشواء التي كانت تشنها صحافة الانقلاب بمصر في كل مرة على المغرب كانت بمثابة جس النبض المغربي . وكلما كان المغرب يعبر عن ضبط نفس كبير كلما كانت هذه الصحافة تزيد من جرعة استفزازها للمغرب والمغاربة ولعل هذا ما شجع الانقلابيون في مصر على تجاوز خطوط التماس التي يعتبرها المغرب خطوطا حمراء لا يمكن القبول بتجاوزها من أي طرف كان حتى ولو كان يحضى بدعم أصدقاء المغرب الخليجيين . لا يمكن للمغرب قبول حصول التقارب المصري الجزائري على حساب مصالحه فالتمهيد للاعتراف بالبوليساريو كثمن لقبول الجزائر التنسيق الإقليمي مع مصر شيئ لا يمكن للمغرب أن يسكت عنه لأنه يمس بوحدته الترابية .
بقي أن أنوه أن الكثير من الأنظمة العربية وعلى رأسها مصر لا تنظر بعين الرضى إلى الطريقة الاستعابية التي تعامل بها النظام المغربي في معالجته لمخلفات الحراك الاجتماعي الذي عرفه إبان ما اصطلح عليه بالربيع العربي والتي توجت بدستور جديد للمملكة وبانتخابات شهد العديدين بشفافيتها ونزاهتها وأدت إلى ادماج جزء من الإسلاميين في دواليب الحكم وتدبير الشأن الحكومي .
إن على مصر وغير مصر( جزائر ، فرنسا ، إسبانيا ، أمريكا ) أن يعلموا أن لا ترتيب إقليمي وجهوي بدون المغرب ، وبدون مراعات مصالحه باعتباره البوابة الغربية للعالم العربي والإسلامي. المغرب كان وسيظل البوابة الشمالية لإفريقيا . المغرب كان وسيظل الدولة الأكثر تأثيرا في هذه المنطقة المضطربة و لا إحد يمكنه محاصرة امتداداته وتأثيره الحضاري والديني .
إن مصر التي شهدت في سنة 2011 حراكا شعبيا أطاح بحكم الرئيس حسني مبارك ، حراك تلته انتخابات جعلت محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية . لكن القوى المناهضة للتحول إلى الديمقراطية وعلى رآسها الجيش المصري سيقومون - مستغلين سوء تدبير الحكام الجدد للمرحلة - بتحركات مضادة توجت بانقلاب عسكري بقيادة المشير عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بالشرعية. طيلة هذه الفترة المضطربة ، دخلت مصر في دوامة من الصراعات الداخلية جعلتها لمرحلة معينة خارج دائرة التنافس الإقليمي في إفريقيا الشمالية والصحراء الكبرى وبلاد الساحل بل خارج التأثير على ما كان يجري في حوض النيل الحيوي بالنسبة لمصر . لكن مع وصول عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي بدأت القيادة العسكرية المصرية في التفكير باستعادة دور مصر عربيا والإسلاميا والإفريقيا .
و في اعتقادي لم يكن التصريح الذي أدلى به عبد الفتاح السيسي والذي قال فيه أن الجيش المصري بإمكانه احتلال الجزائر في ثلاثة أيام فلتة لسان أو خطأ عابر وغير مقصود ، بل كان رسالة واضحة لأصحاب القرار الأمريكي تذكرهم بالدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش المصري وتقول بواضح العبارة أن الرهان الحقيقي في الترتيبات الإقليمية الجارية بمنطقتنا يجب أن يكون على أساس الريادة الإقليمية لمصر أو على الأقل على أساس تقاسم الريادة بين مصر والجزائر . وأظن أن هذا التصريح البوليميكي هو الذي حدد جدول أعمال زيارة السيسي للجزائر حيث لم تكن فقط زيارة للاعتذار للجزائر بل لوضع معالم تعاون إقليمي مصري جزائري خصوصا أمام تعقد الوضع الليبي وانفلات الأمن بهاذا البلد وتوسع دائرة تحرك المنظمات الإرهابية في الصحراء الكبرى وبلاد الساحل التي أصبحت على مستوى عال من التسلح الذي حصلت عليه أو اشترته من ليبيا.
ومعنى كلامي هذا أن القيادة الإنقلابية في مصر كانت تعتقد منذ البداية بأن الجزائر هي المنافس الإقليمي الوحيد لها في المنطقة معتبرة إن هذا هو الاتجاه والمنحى الذي يميل إليه موقف آصحاب القرار في الولايات المتحدة الأمريكية . أي إن المغرب خارج عن دائرة التنافس على الريادة الإقليمية خصوصا بعد الفتور في العلاقات الأمريكية المغربية بعدما أبانت أمريكا عن نيتها في تقديم طلب للأمم المتحدة من أجل توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء الساقية الحمراء ووادي الذهب.
إن مصر السيسي التي سعت وتسعى بطلب ودعم خليجي واضح إلى التدخل في الصراع الدائر في ليبيا لصالح طرف دون آخر ستجد نفسها تتورط تدريجيا في حرب قد لا يكون الجيش المصري مؤهل حاليا للاستنقاع فيها وقد يجره الفخ الليبي إلى هزيمة عسكرية كتلك الهزائم التي طالته في كل حروبه مع إسرائيل أو في تدخلاته الفاشلة في الشأن الداخلي العربي ، في اليمن وخلال حرب الرمال بداية الستينات بين المغرب والجزائر . لهاذا الأمر تريد مصر تقوية روابط التنسيق مع الجزائر، المعترضة طبعا على أي دور مغربي في المنطقة، من أجل التعاون لإعادة ترتيب الوضع في ليبيا و التعاون على الترتيبات الأمنية في بلادالساحل والصحراء الكبرى . وفي سعيها للوصول إلى التفاهم مع الجزائر فمصر مستعدة كل الاستعداد لتقديم فاتورة هذا التقارب / التفاهم ولو كان الاعتراف بالبوليساريو والتقرب من الموقف الجزائري اتجاه النزاع في الصحراء المغربية . ولعل ما شجع السيسي على خياراته الخاطئة هته توهمه وتوهم القيادة الانقلابية المصرية أن المغرب لن يتجرأ على اتخاذ موقف صارم من سياسة مصر الجزائرية بحكم التأثير الكبير والضغط الذي قد تمارسه العواصم الخليجية على المغرب حتى ولو تطاول عليه السيسي وإعلامه لنيل رضى الجزائر و التحالف معها .
إن الحملة الإعلامية العشواء التي كانت تشنها صحافة الانقلاب بمصر في كل مرة على المغرب كانت بمثابة جس النبض المغربي . وكلما كان المغرب يعبر عن ضبط نفس كبير كلما كانت هذه الصحافة تزيد من جرعة استفزازها للمغرب والمغاربة ولعل هذا ما شجع الانقلابيون في مصر على تجاوز خطوط التماس التي يعتبرها المغرب خطوطا حمراء لا يمكن القبول بتجاوزها من أي طرف كان حتى ولو كان يحضى بدعم أصدقاء المغرب الخليجيين . لا يمكن للمغرب قبول حصول التقارب المصري الجزائري على حساب مصالحه فالتمهيد للاعتراف بالبوليساريو كثمن لقبول الجزائر التنسيق الإقليمي مع مصر شيئ لا يمكن للمغرب أن يسكت عنه لأنه يمس بوحدته الترابية .
بقي أن أنوه أن الكثير من الأنظمة العربية وعلى رأسها مصر لا تنظر بعين الرضى إلى الطريقة الاستعابية التي تعامل بها النظام المغربي في معالجته لمخلفات الحراك الاجتماعي الذي عرفه إبان ما اصطلح عليه بالربيع العربي والتي توجت بدستور جديد للمملكة وبانتخابات شهد العديدين بشفافيتها ونزاهتها وأدت إلى ادماج جزء من الإسلاميين في دواليب الحكم وتدبير الشأن الحكومي .
إن على مصر وغير مصر( جزائر ، فرنسا ، إسبانيا ، أمريكا ) أن يعلموا أن لا ترتيب إقليمي وجهوي بدون المغرب ، وبدون مراعات مصالحه باعتباره البوابة الغربية للعالم العربي والإسلامي. المغرب كان وسيظل البوابة الشمالية لإفريقيا . المغرب كان وسيظل الدولة الأكثر تأثيرا في هذه المنطقة المضطربة و لا إحد يمكنه محاصرة امتداداته وتأثيره الحضاري والديني .
ملحوظة : جزء كبير من هذا المقال كتبته منذ أن تطاولت المذيعة المصرية أماني الخياط على المغرب وشعب المغرب . أماني الخياط تشتغل في قناة OTV المصرية التي يملكها الميلياردير المصري نجيب ساوريس المتهم من طرف أحرار الثورة المصرية بالفساد وهذا الرجل من رموز الأوليغارشيا المصرية المتماهية مع الأوليغارشيا العالمية التي تسعى للهيمنة على العالم بالمؤمرات والدسائس والانقلابات على الحكومات الوطنية . هذا الرجل لعب دورا أساسيا في تمويل التحركات والاحتجاجات في مصر لتغطية وتهيأت الضروف للانقلاب.
*سياسي مغربي وقيادي بحزب البديل الحضاري