كانت تصريحات النظام التركي ليل محاولة الانقلاب واتهامهم الصريح بوقوف فتح الله كولن المقيم فى ولاية بنسلفانيا الامريكية خلف الانقلاب بمثابة الاعلان الرسمي لوقوف واشنطن والاتحاد الاوربي خلف الانقلاب، فمستحيل ان يتحرك فيلق الناتو الملقب بالجيش التركي الذى تعد وحدة اتصالاته ضمن شبكة اتصالات حلف شمال الاطلسي دون علم واشنطن، كما أن كثيرا ما شهدت قاعدة انجرليك بالاونة الاخيرة اجتماعات بين السفير الامريكي بانقرة جون باس وقائد الانقلاب اكين أوزتورك ورئيس القاعدة بكر ارجان فان الذى حصل على وعود امريكية باللجوء الى انجرليك فى حال فشل الانقلاب بحجة تناول قضايا مكافة الارهاب فى العراق وسوريا وهم يضعو اللمسات الاخيرة للانقلاب، لذلك توجهت السلطات التركية وقت محاولة الانقلاب لـ أضنة ومحاصرة قاعدة انجرليك بعد غلق الكهرباء عنها واعتقال كافة الظباط التركوة بها، وهنا نضع تصريحات ماريا زاخاروفا المتحدثة بأسم الخارجية الروسية فى المشهد بعد ان وجهت السؤال الصعب للولايات المتحدة والناتو قائلة أين كان الحلف قبل أسبوع من ذلك عندما كانت تجري قمة وارسو أكبر هيكل عسكري سياسي يحوز جميع وسائل العمل في مجال ضمان الأمن؟ لم يقل حتى كلمة واحدة عن أمر كان من الممكن أن يهدد أمن تركيا بل أمن المنطقة كلها! فحلف الاطلسي لم يبلغ أنقرة التي تعد عضوا في حلف شمال الأطلسي بالتهديد المحتمل لأنه كان مشغولا بالتهديد الروسي المزعوم.
كما يجب ان ننتبه لدور الادوات الامريكية بعد فشل محاولة الانقلاب كوكالة بلومبيرغ التى عملت على تكذيب تصريحات عمدة انقرة بخصوص مقتل الطيار الذى اسقط القاذفة الروسية، ثم دور ويكليكس، وما يخص فرنسا فهي لها ثأر قديم مع اردوغان بعد ان فتح اردوغان باب النزوح الغير شرعي للاجئين السوريين نحو أوربا قبل ان يكتشف الامن العام اللبناني ببدايات الحرب السورية جوازات سفر فرنسية مزورة بلبنان من قبل عناصر تابعة للاستخبارات التركية الامر الذى يفسر لنا لماذا كانت فرنسا صاحبة نصيب الاسد من العمليات الارهابية رغم انها اقل الدول محاربة للارهاب على عكس الدول التى تقود التحالف الدولى لمحاربة الارهاب وفى مقدمتهم امريكا وبريطانيا، لذلك خرج اردوغان يهذى على قناة الجزيرة تجاه القيادة الفرنسية، قبل ان يؤكد دعمه مجددا لجماعة الاخوان بمصر.
فيبقى توجه اردوغان نحو موسكو وما دار بين بوتين واروغان وما ترتب عليه من سرعة عودة العلاقات بين البلدين بشكل غير مسبوق فروسيا اعلنت عودة السياحة لتركيا بعد تفجير مطار اتاتورك مباشرة، وبعد محاولة الانقلاب بساعات وقت ان كان العالم كله يراقب شكل الوضع الامني اعلنت روسيا استكمال رحلاتها دون توقف فى الوقت الذى يستجدي فيه حلفاء موسكو بالشرق الاوسط عودة السياحة منذ 9 اشهر تقريبا دون أي رد ايجابي من روسيا، هو الامر الذى جعل واشنطن تعجل من التخلص من اردوغان خوفا من خسارة تركيا ككل.
وفى وسط تلك المشاهد يجب الا يفوتنا مشهد تسيير طائرة بدون طيار فوق هضبة الجولان المحتلة والتى يقع تحت سيطرة الدفاعات الجوية الأسرائيلية دون ان تتمكن الدفاعات الأسرائيلية من إسقاط الطائرة، قبل أن تفشل مقاتلة f-16 إسرائيلية من إستهدافها بصاروخ الأمر الذى أعترفت به الحكومة الأسرائيلية نفسها، فحزب الله أراد ان يقول لدول الأحتلال أن برغم ضعف الدولة المركزية بدمشق الأ أنه لم تعد لدولة الاحتلال اليد العليا بهضبة الجولان كما تظن، كما أن ذلك المشهد يعكس التطور الميداني الواضح بسوريا لصالح الجيش العربي السوري بعد أنسحاب الاستخبارات التركية من حلب، وعقيدة حزب الله العسكرية التى تحولت من الدفاع للهجوم بفضل الحرب السورية.
نعم اردوغان عدو لبوتين ولكن بويتن كان امامه خيارين السيئ (اردوغان) والأسوء (فيلق الناتو المسمى بالجيش التركي)، وبعد افشال محاولة الانقلاب بتركيا سنرى مسار جديد للمعركة التى بدأها الناتو على روسيا فالخط الامامي للناتو بات مهلهلا سواء بتركيا او اوكرانيا او ما ينتظر دول البلطيق، اما الوضع بحلفاء انقرة فى الاقليم فسيكون شديد الاضطراب والتخبط ولنا فى عرض اعطاء حصة من الشرق الاوسط لروسيا مقابل التخلي عن بشار الاسد خير دليل على ذلك.
حقيقة الامر بعد فشل الانقلاب الكل خاسر فى تركيا سواء فريق اردوغان او فريق المعارضة ان كان ما تبقى منهم احد لم يعتقل حتى الان، وايضا الكل خاسر بالغرب سواء الاتحاد الاوربي الذى سيواجه موجة جديدة أكثر عنفا من الدماء والفوضى او حلف الناتو بعد الزلزال الذى ضرب الدولة المسؤولة عن حماية امن القارة من اي خطر يهددها من اتجاه جنوب شرق القارة، كذلك حلفاء أنقرة بالاقليم الذين باتو كاليتامى بلا اب و بلا ام، و لكن يبقى شبه الرابح الوحيد هو فلاديمير بوتين الذى باتت امامه الفرصة سانحة للتلاعب بكل ما هو سبق.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط