"توفي في 12-01-1976 /الإعلان الرسمي للوفاة 25-12-1978"
بعد المسيرة الخضراء التي دعا اليها المغفور له الملك الحسن الثاني،تغمده الله برحمته، اندلعت حرب طاحنة بين القوات المسلحة الملكية بتلاوينها ضد مليشيات البوليساريو المدعومة بالجزائر وبعض الدول المساندة للانفصال.
كان ابي رحمه الله من بين المشاركين في هذه الحرب كعنصر من القوات المساعدة 6 م م ببني ملال. عندما دهب لأداء الواجب الوطني والمهني بصدق وتفان كنت حينها ببطن امي لا أتعدى الأسبوعين وأختي الكبيرة عمرها سنتين ونصف، والتي تليها سنة ونصف. ولا أدري ان كان رحمه الله يعلم بأن والدتي كانت حاملا...
بقشلة أورير ببني ملال كانت العادة وحسب وصية الزوج والنظام الذي تتعامل به الإدارة، كانت أمي خلال غياب أبي في مهمة نطرا لتنقلاته الكثيرة تتقاضى مبلغا هزيلا لتعيش به هي واخواتي. في هذه المرحلة كان كل شيء عادي بالنسبة لها وكان عمرها انداك لا يتعدى 18 سنة. ليست لها تجربة ولا خبرة في الحياة، الى ان بدأت تسمع أخبار عن اندلاع حرب بالصحراء. وفي نهاية شهر مارس من سنة 1976 بدأت تروج في مريرت، المدينة الأصل لوالدي، أخبار عن استشهاده من خلال بعض الرسائل المشفرة التي كان يرسلها الجنود المرابطين بالحدود الى دويهم، الى ان وصل الخبر لأمي. لكن لصغر سنها وقلة حيلتها فإنها لم تكن قادرة على طلب استفسار والتحقق من صحة الخبر أو لا من المسؤولين وإدارة القشلة آنذاك. وعاشت هذا الشك والرعب الذي بدأ يتزايد مع انقطاع أخبار الشهيد ورسائله الى أن تأكدت من أحد الحاضرين في المعركة التي استشهد فيها أبي رحمه الله.
وصل القمع و الخوف بأمي المسكينة الى عدم القدرة على البكاء وتجسيد مراسيم العزاء علانية داخل القشلة، مما اضطرها الى السفر الى بيت جدي بمريرت لأخد التعازي و إطفاء حرقة الفراق.....
عادت أمي الى (القشلة) وهي (لابسة البيض) ولم يكن أحد يجرؤ على سؤالها ومواساتها خصوصا من المسؤولين. الى أن وضعتني في ظروف يملأها الحزن زادها حدة وصول أول فوج "كوبانية" كانت في الصحراء ليقام عزاء اخر في اليوم الثالث من الوضع بدل الفرح، وذلك بزيارة هؤلاء لبيت الارملة لتقديم التعازي ومباركة المولودة الجديدة. ورغم هدا لم يتم الاخبار الرسمي بوفاة الشهيد.
استمرت الحياة (بالقشلة) الى نهاية سنة 1978 لكي يتم الاخبار الرسمي بوفاة الشهيد ويتم قطع ذلك المبلغ الهزيل الذي كانت تتقاضه أمي لمدة تزيد عن الثمانية اشهر دون سابق انذار، بدل تعويضها ومساعدتها المادية و المعنوية.....بل لتكريس اللامبالاة والتحقير فوجئت الارملة المحطمة بخبر امر بإخلاء السكن لكي يتم تسوية معاشها هي و البنات الثلاثة.
المهم خرجت امي من القشلة ببني ملال متجهة الى مدينة مريرت بحثا عن الامن و الأمان والمساعدة المادية بالقرب من عائلتها.
الارملة المحاربة تجد نفسها تائهة بين توفير متطلبات العيش لبناتها اليتامى اللواتي لا حول لهم ولا قوة وبين مسؤولية البيت و التربية، في غياب تام لأي تتبع او سؤال عن ظروفهن ووضعيتهن المادية، المعنوية، الصحية.....من طرف الجهات الوصية او أي مسؤول في هدا الوطن الذي استشهد ابي لأجله و قدم أغلى ما يملك الا وهي الروح.
وطن جاحد، ناكر للجميل، ظالم....حسبنا الله و نعم الوكيل.
بما أن المعاش الذي كانت ولازالت امي تتقاضاه لا يكفي لسد كل المتطلبات من مسكن، مآكل، تطبيب....فإنها كانت مضطرة للإشتغال في الصناعة التقليدية (كنسج الزرابي و صناعة لعقاد). وهكذا ظلت الارملة تلعب دور المرأة والرجل وتحارب امام هده الظروف صامدة قوية لتربية بناتها الثلاث أحسن تربية.
في الختام أشكر أمي وانحني أمامها إجلالا وتقديرا لكل تضحياتها، لصبرها لقوتها ل....وأطرح بعض الأسئلة لكل الضمائر الحية ;
-ماهي انعكاسات هده الظروف وهدا الاقصاء والتهميش الدي عاشته اسرة الشهيد حشي محمد على أوضاعهن النفسية، المعنوية والصحية؟
- ما هو دور المؤسسات الاجتماعية العسكرية واين هي تجلياتها بالنسبة لهده العائلة؟
- من المسؤول عن الاقصاء الدي طال هده الاسرة؟
- وكيف سيتم محاسبة المذنبين وجبر ضرر المظلومين؟
الويل ثم الويل من يوم يأخذ فيه الله حق المظلومين من الظالمين.
واذا كان وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1991 .فلماذا استمرت الدولة في إطلاق رصاص الإقصاء والتهميش والتفقير وعدم الاعتراف والتقدير وعدم جبر ضرر اسر شهداء حرب الصحراء ؟وبيل من الحكرة استمر ولا زال لازيد من اربعة عقود ؟
الدكتورة حشي تورية