علم‭ ‬النفس‭ ‬ووقاية‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬التطرف

 


في علم نفس الواقع، ليس مثيرا  للاندهاش أن يتطرف احد الأفراد في أي بلد حتى وإن كان شخصا كما يقال

متفتح (، كما انه ليس بأمر صعب أن يتطرف شخص بعدما يتم استدراجه من قبل الجماعات المتطرفة، ولكن الغير مقبول نهائيا ًأن يتمكن المتطرفون من استقطاب نماذج تنتمي للمؤسسات العسكرية، حيث انه من الطبيعي أن درجة الانتماء والوعي عند هؤلاء تتضاعف عن الأفراد الآخرين .

لقد تعمق علم النفس كثيراً في واقع نفوس المتطرفين، فوجد انه من  أصعب أنواع التطرف هم هؤلاء الذين يتطرفون بعد الوطنية والوعي الفكري والاجتماعي، فهم بالفعل أصعب كثيراً من هؤلاء الذين لا يمتلكون الوعي أو الذين ترعرعوا على التطرف حيث كانت أقدارهم في الحياة ان آباءهم آو أمهاتهم أو القائمون على رعايتهم من النماذج المتطرفة .

 

أن انتساب فرد لمؤسسة عسكرية بداية من العامل الذي يقوم بتنظيف المكان إلى أكبر قيادة هو بمثابة أمن قومي لأي بلد، ولذا فالدورات التدريبية المستمرة لجميع الأفراد حول الاعتدال هي دورات لا تقل أهمية عن التدريب العسكري، حيث ان الأصحاء نفسياً أي المعتدلون في أفكارهم ومشاعرهم وبالتالي سلوكهم من الصعوبة البالغة أن ينجذبوا للتطرف، ولذا فعلم النفس دائما يصف دواء الاعتدال للوقاية وليس فقط العلاج وكما يتردد على ألسنتنا جميعاً « الوقاية خير من العلاج ».

 

تبدأ أولى خطوات التدريب على الاعتدال بالتدريب على التحكم في الشهوات، فالمتحكمون في شهواتهم هم القادرون على التحكم في انفعالاتهم ومن ثم مشاعرهم، أفكارهم وسلوكياتهم. ذكر الخالق في كتابه العزيز بسورة ال عمران الآية الكريمة ) زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِۗذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۖوَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(.

 

عندما تتعمق النفس البشرية في الآية الكريمة ستجد أنه عز وجل بدأ بالجنس الآخر، وعندما نتعمق في أشهر الطرق التي تم استخدامها من قديم الزمان في التجنيد والجاسوسية كانت ) الجنس الآخر).

 

وعندما يتعمق أكثر علماء النفس يكتشفون وجود شهوات اخرى خطيرة جدا كالمال، الطعام، السلطة . وهكذا، لذا فالمنتسبون للمؤسسات العسكرية لابد وان يتم تدريبهم نفسياً على ان لا يكون لديهم نقاط ضعف. فهل لنا ان نتخيل شخص عسكري لديه شهوة الطعام أو المال أو السلطة أو لديه نقطة ضعف؟!!  بالفعل لا يمكن لعلم النفس تقبل ذلك، وان كان موجود في الواقع فهذا مؤشر هام في الشخصية لابد من التعامل معه فوراً لتقويمه، لأنه ببساطة شديدة سيكون عرضة للاستقطاب للتطرف يوماً ما بكل سهولة وقت تعرضه لضغوط حياتية أو مادية أو عاطفية أو اجتماعية أو عامة وهكذا .

 

بعد مرحلة التحكم في الشهوات لابد وان يأتي دور التدريب على هرم السلام النفسي الذي يبدأ بالتقبل ثم التسامح فالتعاون ويتدرج للحب والأمان فالانتماء ومن ثم الفوز بالوصول لقمة الهرم وهي نبذ العنف. كما إنه من الضروري التدريب النفسي على تفريغ الضغوط، فالإنتماء للمؤسسات العسكرية وظيفة شاقة نفسياً لانها تعتمد على الكتمان، والصحة النفسية تنفر منه دائماً لان من أساسياتها الفضفضة والتفريغ المستمر منعاً للتراكم الذي ينتج عنه الضغط النفسي !! اذاً هل لنا جميعاً أن نتخيل كيف يتحملون هوءلاء الرجال ؟! فليست مهامهم بالأمر السهل الذي يتمكن من تحمله اي إنسان ولذا فهي حقاً وظيفة الأبطال .

 

ماذا يريد علم النفس لهؤلاء ؟ هل أراد انتزاع أحاسيسهم ؟!

بالطبع لا، ولكن يريدهم محترفون فيما يسمى بسيكولوجية البدائل، فهي من أنسب الطرق التي تناسبهم نفسياً، كما تناسب كل إنسان يريد ان يحيا بصحة نفسية جيدة رغم وجود أسوأ الظروف أو عكسها. وهل للفضفضة بديل ؟! نعم لكل شيء بدائل عديدة تناسب كل شخص حسب وظيفته وموقعه في المؤسسة ومهامه .

الجدير بالذكر أيضاً ان وجود دورات أخرى لترسيخ قيم الدين المعتدل أمر لابد وأن يكون بصفة دورية ومستمرة .

في النهاية لابد وان نسترجع من ذاكرتنا المربية وبنيتنا المعرفية اهم مبادئ الصحة النفسية والحماية من التطرف الا وهوطالما اخترت وظيفة ستتعامل بها مع بشر فلابد أن لا يفارقك علم النفس، فالعملية الحسابية الشهيرة 2=1+1 في علم النفس هي عملية خاطئة لوجود الفروق الفردية بين البشر.

 

قوموا بتغذية المؤسسات بصفة عامة والعسكرية بصفة خاصة بدورات وكتب الصحة النفسية، فهي السبيل الأهم للحفاظ على السواء النفسي والوقاية من التطرف، اجعلوهم يؤثرون و لا يتأثرون وهذا واجبهم الوطني

 الإعلامية الدكتورة / رشا الجندي