مفهوم واهداف علم النفس العسكري

 

يهتم علم النفس العسكري بصورة خاصة بتطبيق أسس علم النفس ومبادئه في القوات المسلحة؛ من أجل زيادة كفاءة أفراد القوات المسلحة من ضباط وجنود، وتوجيههم بحسب قدراتهم واستعداداتهم التي يتمتعون بها، الأمر الذي يساعد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

يتألف المجتمع العسكري من مجموعة من أفراد تحكمهم علاقات تنظيمية معينة، ولهم أهداف وغايات عامة يعملون على تحقيقها. وضمن هذا المجتمع يتوزع الأفراد أدوارهم بحسب مؤهلاتهم وقدراتهم.

ولما كان علم النفس يهتم بتفسير السلوك الإنساني وضبطه والتنبؤ به، من أجل تفسير الوظائف النفسية المتعددة لدى الأفراد والكشف عن الاضطرابات التي تطرأ عليها، فإنه كان من اللازم استثمار مبادئ علم النفس في المجال العسكري.

ويهتم علم النفس العسكري بصورة خاصة بتطبيق أسس علم النفس ومبادئه في القوات المسلحة؛ من أجل زيادة كفاءة أفراد القوات المسلحة من ضباط وجنود، وتوجيههم بحسب قدراتهم واستعداداتهم التي يتمتعون بها، الأمر الذي يساعد على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.

 

ويشمل علم النفس العسكري مجموعة واسعة من الأنشطة في مجال البحوث النفسية والتقييم والعلاج. وقد يكون علماء النفس العسكري من العسكريين أو المدنيين. ويمكن أن يشمل مجال علم النفس العسكري كل جزء من العقل البشري المتعلق بالحرب والجيش، ولكن الباحثين يركزون على نفسية المنظمة العسكرية، والحياة العسكرية، وعلم النفس في القتال. ويشمل علم النفس العسكري تخصصات فرعية مثل الجوانب الاجتماعية والتجريبية والصناعية والتنظيمية، والهندسة والعوامل البشرية، وعلم النفس السريري.

لقد أسهمت الحروب في تقدم عدد من العلوم، وعلم النفس ليس استثناء من هذه القاعدة. فقد رأى الأمريكيون بعد الحرب العالمية الأولى، أن الجيش الأمريكي في حاجة إلى إعداد نفسي خاص، ومن هنا عكفت جمعية علم النفس الأمريكية APA، على وضع عدد من الاختبارات النفسية لتطبيقها على الجنود، من أجل الوصول إلى آليات للتحفيز، وطرق لرفع معنويات الجيش في المواقف الصعبة.

إن علم النفس العسكري، ببساطة، هو تطبيق علم النفس في سياق عسكري. وقد كان دخول علم النفس في هذا الميدان سبباً في تقدم علم النفس من جهة، ومعالجة كثير من المشكلات التي تعترض الجنود من جهة أخرى.  

وقد أظهرت الحروب التي جرت في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين أن الجيوش التي أدخلت علم النفس في حساباتها، واستفادت منه في التدريب وكيفية صنع القرار ، والمرونة ، واختيار القيادة قد نجحت أكثر من غيرها واستطاعت حسم المعارك لمصلحتها. 

 

أهداف علم النفس العسكري

• تهيئة الكوادر المتخصصة في مختلف الميادين العسكرية لسد الحاجة النفسية فيها.

القيام بأبحاث ودراسات نفسية تخص الميادين العسكرية.

• نشر الثقافة والمعرفة النفسية التي تخص الميدان العسكري في صفوف الطلبة.

• استيعاب مفاهيم علم النفس العسكري والتطورات الجارية في الميدان.

• تطبيق الموضوعات النظرية لعلم النفس في الميدان العسكري.

• استخدام وسائل علم النفس (الاختبارات، والمقاييس، وطرق التجريب) استخداماً خلاقاً في الميدان العسكري.

• استيعاب العلاقات الإنسانية وفهمها، ودراسة الشخصية العسكرية والقيادة والحرب النفسية.

• التعرف على الأسس النفسية في رعاية معوقي الحرب وتأهيلهم، وتأهيل أسرى الحرب.

• التعرف على الأمراض النفسية الناتجة عن الحروب.

• الاستفادة من علم الباراسيكولوجي في الميادين العسكرية.

 

علم نفس التنظيم العسكري

يشارك علماء النفس العسكري في اختبار المجندين وتوزيعهم، كما يسهم في إيجاد طرق أكثر فعالية لتدريبهم من خلال مجموعة فرعية من الاختبارات تقيس إمكاناتهم وتحدد المجالات التي يمكن أن يعطوا فيها على نحو أكثر فعالية.

ويقوم خبراء علم النفس العسكري في كشف العناصر غير المستقرة عاطفياً وذهنياً ونفسياً في الحياة العسكرية، كما أنهم قد يستبعدون بعض الأفراد الذين يتبيّن عدم جاهزيتهم للالتحاق بالخدمة العسكرية.

 

علم نفس الحياة العسكرية

تتسبب الحياة العسكرية في إيجاد ضغوط نفسية عدة على الأفراد، ولاسيما في ظل التعرض لإمكانية الإصابة أو الموت في القتال، وغالباً ما تحتاج الخدمة العسكرية إلى ساعات طويلة من العمل، والغياب الطويل عن المنزل، والتنقل المتكرر من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى أحياناً.

 

وقد أجرى بعض علماء النفس العسكري دراسات عن مصادر الخلاف الزوجي بين عائلات العسكريين، ولاحظوا أن الحياة العسكرية قد تزعزع استقرار الأسر، بل قد تؤدي إلى انهيار بعض الأسر أحياناً. وقد حاول هؤلاء الخبراء وضع حلول تؤدي إلى التخفيف من هذه المشكلة.

 

ولاحظ خبراء علم النفس العسكري وجود عدد من الممارسات غير الصحية لدى بعض أفراد الجيوش مثل الإدمان على الكحول والمخدرات، والتي تصل أحياناً إلى حد المخاطرة بالحياة، وحاولوا وضع برامج نفسية تقلل من مثل تلك الممارسات.

 

علم النفس في ميادين القتال

معظم الجنود لا يمرون بتجربة القتال؛ لكن ثمة نسبة منهم تخضع لهذه التجربة، وهنا يجدر بعلماء النفس العسكري أن يساعدوا هذه الفئة من الجنود على التصرف بشكل فعال في القتال، وعلى مواجهة الضغوط النفسية والعاطفية متسلحين بقدر من المعلومات والمهارات التي تخفف منها.

 

ومن الأمور المنوطة بعلم النفس العسكري في القتال:

1 - دمج البشر مع أنظمة أسلحة تتطور على نحو متزايد.

2 -  مساعدة الجنود على القيام بتحليل منطقي خلال جزء من الثانية لاتخاذ القرار السليم.

 3 - المساعدة على مواجهة الظروف البيئية والمناخية القاسية، بما في ذلك التعامل بمسؤولية مع حالات نقص المؤونة والعتاد.

4 - تزيد الجنود بالطاقة الإيجابية لمنع حالات الانهيار نتيجة الخوف والعنف ومشاهد الموت.

5 - التعامل مع الجنود في مرحلة ما بعد الصدمة.

 

الاستخبارات وعلم النفس

أسهم علم النفس العسكري في تطوير العمل الاستخباراتي في الجيش، وذلك من خلال الاعتماد على مناهج علم النفس وتطبيقاته.

ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدأ الالتفات إلى علم النفس وتأثيره المباشر قبل المعارك وفي أثنائها وبعد انتهائها، ولاسيما مع التحديات التقنية والاجتماعية والحضارية المعقدة التي باتت تفرض نفسها على الجيوش والمعارك التي تديرها.

 

وبدأت وحدات الاستخبارات في الجيوش تتطلع إلى تعزيز إمكاناتها الذاتية المعرفية، وفهم إمكانات العدو النفسية والتعبوية. وظهر ما يسمى "الاستخبارات النفسية" التي تتمثل في كل ما يمكن أن نعرفه أو نفهمه عن العدو ونشاطات أفراده في الجوانب المعنوية، وفي معرفة الدوافع والانفعالات والسمات الأخلاقية ومظاهر السلوك اليومي والقيم التي تحكم العلاقات بين أفارد العدو، فضلاً عن الإلمام بالوضع الاقتصادي والخلفيات الفكرية والسياسية والوضع العسكري له، حيث يمكن استغلال ذلك في التأثير النفسي سلبياً وإيجابياً.

 

صحيح أن عملية جمع المعلومات الأولية لا تتطلب معرفة كبيرة بالمفاهيم النظرية للعلوم الإنسانية، ولكن تصنيف هذه وتبويبها وتحليلها يتطلب خبراء من مختلف الاختصاصات، ولاشك في أن خبراء علم النفس هم طرف أساسي في هذه العملية.

 

وتقوم وحدات الاستخبارات بجمع المعلومات النفسية الأساسية والمتعلقة بالجانب المعنوي وما يرافقها من انفعالات واتجاهات وقيم وأنماط سلوكية في أثناء الحرب، وكذلك المعلومات الخاصة بالمعتقدات والبنية الشخصية والقيم المركزية في أثناء السلم، وهذا كله يجري وضعه بين أيدي خبراء علم النفس لتحديد مواطن القوة والضعف في الخصم.

 

علم النفس والاستخبارات

وفيما يأتي أبرز الجوانب التي تهتم بها وحدات علم النفس في الاستخبارات:

• أسرى الحرب والهاربون واللاجئون: حيث يمكن التعرف إلى المعلومات الخاصة بالروح المعنوية لقطعاتهم، وكذلك التعرف إلى بعض الجوانب الإنسانية والاجتماعية مثل التعليم وبنية الأسرة وطبقات المجتمع، ومدى ارتباط أفارده بالعقيدة العسكرية، وذلك من خلال تطبيق المقاييس النفسية.

• الوثائق المستولى عليها: حيث يمكن توظيفها كمستندات للتأثير في قوات العدو وقطعاته العسكرية من خلال ممارسة "الحرب النفسية" عليها.

• التقارير الواردة: من الجبهات الأمامية عن العدو وتعامل أفراده مع المنشورات والرسائل الإذاعية.

• العناصر الاستخبارية التي تعمل في عمق العدو، والتي توفر معلومات مهمة عن الجوانب النفسية والصحية والتنظيمية للعدو.

  قوى المعارضة: حيث يمكن التواصل مع المناوئين لنظام العدو للحصول على معلومات تتعلق بمواطن ضعفه.

• المنشورات المعادية: حيث يمكن من خلالها فهم الحالة النفسية للعدو، ومن ثم إعداد الخطط المضادة التي تناسب حالة العدو.

• الجامعات ومراكز البحوث: حيث تقوم بإجراء دراسات نفسية ذات بعد أكاديمي عن المشكلات النفسية والاجتماعية.

• المعلومات: التي تتوافر عبر التجسس اللاسلكي والإلكتروني: ولاسيما في ضوء التقدم المذهل في الثورة الإلكترونية والمعلوماتية وتطور وسائل الاتصال.

• وسائل التواصل الاجتماعي: حيث يمكن من خلالها متابعة حالة العدو، وردود أفعال جنوده وقياداته وأفراد مجتمعه، كما يمكن ممارسة الحرب النفسية من خلالها.

خاتمة

يعد علم النفس العسكري من المجالات التطبيقية للمناهج العلمية النفسية المعتمدة، وبات من الواضح أن هناك أهمية كبيرة لعلم النفس العسكري في منظومة الجيوش الحديثة. ولاشك في أن التأهيل المدروس للجنود، والذي يعتمد على مجموعة من العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفي مقدمتها علم النفس، يشكل مدخلاً مهماً وملحاً لفهم سلوك أفراد القوات المسلحة ودراسته، الأمر الذي ينعكس إيجابياً في أداء القوات المسلحة في حالتي السلم والحرب.

محمد عبدالغفار